للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[معنى العبادة]

وسرّ الارتقاء الروحي والجماعي الذي أدركه صحابة محمّد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا موصولين بالله على أساس صحيح، فلم يشعروا في العمل له بما يشعر به الكثيرون من عنت وتكلّف، ولا بما يعانون من شرود وحيرة.

هناك طبيعتان في الإنسان غير منكورتين: الإعجاب بالعظمة، والعرفان للجميل، فعند ما ترى الة دقيقة، أو جهازا عجيبا، أو صورة رائعة، أو مقالا بليغا فإنك لا تنتهي من تبيّن حسنه حتى تنطوي جوانحك على الإعجاب بصاحبه، فإنّ الذكاء العميق والاقتدار البارز يجعلانك تهتزّ من تلقاء نفسك احتراما للرجل الذكيّ القدير!.

وكذلك عند ما يسدى إليك معروف، أو تمتدّ يد إليك بنعمة إنّك تذكر هذا الصنيع لمن تطوّع به، وعلى ضخامة ما نلت من خير يلهج لسانك بالثناء، ويمتلئ فؤادك بالحمد كما قال الشاعر:

أفادتكم النعماء منّي ثلاثة ... يدي، ولساني، والضّمير المحجّبا!!

ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم جاء يثير هاتين الطبيعتين نحو أحقّ شيء بهما، ألست تعجب بالعظمة، وتحتفي بصاحبها؟! ألست تقدّر النعمة وتشكر مسديها؟!.

إنك ترمق بإجلال مخترع الطيارة، وكلّما رأيتها تشقّ الفضاء زدت إشادة بعبقريته! فما رأيك فيمن يدفع الألوف المؤلّفة من الكواكب تطير في جوّ السماء من غير توقف ولا عوج! وما رأيك فيمن خلق عقل هذا المخترع، وأودع في تلافيف مخّه الذكاء الذي وصل به إلى ما راعك واستثار إعجابك؟.

أليس ربّك وربّ كلّ شيء أحقّ بأن تعرف عظمته، وتفتح عيونك على اثار قدرته ... ؟!.

فإذا عرفت عظمته من عظمة الوجود الذي يحيط بك، خجلت من التهجّم عليه، ونسبة ما لا يليق إليه!! وقلت مع العارفين: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [ال عمران: ١٩١] .

<<  <   >  >>