للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجاب عمرو بن أمية قائلا: ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر! وما كنت لأبقى حتى أقصّ خبره على الرجال! وهجم على الأعراب يقاتلهم حتى قتل، وأخذ عمرو أسيرا فأعتقه عامر بن الطفيل كبير الغادرين عن رقبة زعم أنها على أمه!.

[[المصاب الفادح] :]

ورجع عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاملا معه أنباء المصاب الفادح، مصرع سبعين من أفاضل المسلمين، تذكّر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد إلا أنّ هؤلاء ذهبوا في قتال واضح؛ وأولئك ذهبوا في غدرة شائنة.

إنّ هذه النازلة ملأت قلوب المسلمين غيظا، وهم لم يضيقوا بخسائرهم فحسب، بل الذي أحرج مشاعرهم في هذه الحادثة أنّها كشفت عما تخبئه الوثنية في ضميرها من غلّ كامن على الإسلام وأهله، غلّ عصف بكل مبادئ الشرف والوفاء، وأباح لكل غادر أن يلحق الأذى بالمؤمنين متى شاء وكيف شاء.

وفي طريق عمرو إلى المدينة لقي رجلين ظنّهما من بني عامر، فقتلهما ثأرا لأصحابه، ثم تبيّن أنهما من بني كلاب، وأنّهما معاهدين للمسلمين.

ولمّا قدم عمرو على الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبره الخبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم للناس: «إنّ أصحابكم أصيبوا، وإنّهم قد سألوا ربّهم فقالوا: ربّنا أخبر عنّا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنّا» «١» .

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو: «لقد قتلت قتيلين لأدينّهما» «٢» ، وانشغل بجمع دياتهما من المسلمين وحلفائهم اليهود!.

[[استعادة هيبة المسلمين] :]

إنّ نجاح الإسلام في ترسيخ أقدامه بالجزيرة أحفظ قلوبا كثيرة، ولا ريب أنّ تأميل المسلمين في المستقبل، وارتقابهم المزيد في الفتح زاد ضغن


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: ٧/ ٣١٢، من طريق هشام بن عروة عن أبيه مرسلا. لكن رواه بنحوه موصولا من حديث أنس: ٧/ ٣٠٩، ٣١٠، ٣١١؛ والطبراني من حديث ابن مسعود كما في (المجمع) : ٦/ ١٣٠.
(٢) رواه الطبراني، وابن هشام من طريق ابن إسحاق بسنده مرسلا. وقد تقدم قريبا.

<<  <   >  >>