للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بيعة العقبة الكبرى]

إنّ الرجال الذين اعتنقوا الإسلام عرفوا- دون شك- تاريخه القريب، والصعاب الهائلة التي لقيها، وحزّ في نفوسهم أن يستضعف إخوانهم في مكة، وأن يخرج نبيّهم وهو يدعو إلى الله فلا يجيبه إلا اثم أو كفور!!.

ولذلك تساءلوا- وهم خارجون من المدينة قاصدين البيت العتيق- حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوّف، ويطرد في جبال مكة ويخاف؟!.

لقد بلغ الإيمان أوجه في هذه القلوب الفتية، وان لها أن تنفّس عن حماسها، وأن تفكّ هذا الحصار الخانق المضروب حول الدعوة والداعية.

قال جابر بن عبد الله: فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين، حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله، علام نبايعك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تقوموا في الله لا تخافون لومة لائم، وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت عليكم- مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة» .

قال: فقمنا إليه، وأخذ بيده (أسعد بن زرارة) ، وهو أصغر السبعين بعدي، فقال: رويدا يا أهل يثرب! فإنّا لم نضرب إليه أكباد الإبل وإلا نحن نعلم أنّه رسول الله، وإنّ إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضّكم السيوف.

فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فبيّنوا ذلك، فهو أعذر لكم عند الله!.

فقالوا: يا أسعد! أمط عنا يدك، فو الله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلا رجلا فبايعناه «١» .


(١) أخرجه أحمد: ٣/ ٣٢٢؛ ٣٣٩، ٣٩٤؛ والحاكم: ٢/ ٦٢٤- ٦٢٥؛ والبيهقي في سننه الكبرى: ٩/ ٩، من طريق ابن خيثم، عن أبي الزبير، عن جابر قال الحاكم: صحيح-

<<  <   >  >>