للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن كعب بن مالك: نمنا تلك الليلة- ليلة العقبة- مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل، خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلّل تسلّل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو بن عدي.

فلما اجتمعنا في الشّعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه، ويستوثق له، فلمّا جلس كان أول متكلّم، قال: يا معشر الخزرج «١» ! إنّ محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزّة من قومه، ومنعة في بلده، وإنّه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك!! وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الان فدعوه، فإنّه في عزة ومنعة من قومه وبلده ...

قال كعب: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله! فخذ لنفسك وربك ما أحببت، فتكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القران، ودعا إلى الله، ورغّب في الإسلام، ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» .

قال كعب: فأخذ البراء بن معرور بيده، وقال: نعم، فوالذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن- والله- أبناء الحروب، ورثناها كابرا عن كابر، فاعترض هذا القول- والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله! إنّ بيننا وبين الرجال- يعني: اليهود- حبالا وإنّا قاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك، وتدعنا؟ قال: فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» .


- الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن كثير (٣/ ١٦٠) من البداية: «وهذا إسناد جيّد على شرط مسلم» ، وقال الحافظ في الفتح (٧/ ١٧٧) : «رواه أحمد بإسناد حسن وصحّحه الحاكم وابن حبان» قلت: وفيه علة. وهي عنعنة أبي الزبير، وكان مدلسا، وليس هو من رواية الليث بن سعد عنه؛ فلعلّ تصحيحه أو تحسينه بالنظر لشواهده، والله أعلم.
(١) يقصد أهل يثرب جميعا من (أوس) و (خزرج) .

<<  <   >  >>