للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما أبو جهل فقد سقط مكانه يلفظ أنفاسه، وتفرّق المشركون بعده بددا، وتركوا سيقانهم للريح تبعثرهم في فجاج الصحراء، كما تبعثر كثيبا من الرمل المنهار.

ومرّ عبد الله بن مسعود بالقتلى، فوجد أبا جهل فيهم لا يزال به رمق، فجثم على صدره يبغي الإجهاز عليه، وتحرّك أبو جهل يسأل: لمن الدائرة اليوم؟

فقال عبد الله: لله ورسوله، ثم استتلى عبد الله: هل أخزاك الله يا عدو الله؟! قال له: وبماذا أخزاني؟! هل أعمد من رجل قتله قومه؟! وتفرّس في عبد الله، ثم قال له: ألست رويعينا بمكة؟!.

فجعل عبد الله يهوي عليه بسيفه حتى خمد «١» .

ولقي مثل هذا المصير الفاجع سبعون صنديدا من رؤوس الكفر بمكة، دارت عليهم كؤوس الردى فتجرّعوها صاغرين، وسقط في الأسر سبعون كذلك، وفرّ بقية التسعمئة والخمسين يروون لمن خلفهم أنّ الظلم مرتعه وخيم، وأن البطر يجر في أعقابه الخزي والعار.

[[بشاشة الفوز تضحك للمؤمنين] :]

وفتح المسلمون عيونهم على بشاشة الفوز تضحك لهم خلال الأرض والسماء. إنّ هذا الظفر المتاح رد عليهم الحياة والأمل والكرامة، وخلّصهم من أغلال ثقال:

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) [ال عمران] .

وكانت عدة من استشهد منهم أربعة عشر رجلا، استأثرت بهم رحمة الله، فذهبوا إلى عليّين.

ثبت عن أنس بن مالك: أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر، وكان في


- ضعف هذه الرواية أنّ معاذ بن عمرو مات في زمن عثمان، كما جزم به البخاري وغيره. (راجع: ابن هشام: ٢/ ٧٢) .
(١) رواه بنحوه ابن هشام: ٢/ ٧٢، عن ابن إسحاق بدون إسناد، وبعضه في المسند، رقم (٤٢٤٦) ، والبيهقي: ٩/ ٦٢، عن ابن مسعود بسند منقطع، وقصة قتل ابن مسعود لأبي جهل صحيحة رواها البخاري: ٧/ ٢٣٥؛ ومسلم: ٥/ ١٨٣- ١٨٤؛ وأحمد: ٣/ ١١٥، ١٢٩، ٢٣٦، من حديث أنس.

<<  <   >  >>