للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أذلك بقية من حرصهم على الحياة، وتوقّيهم الموت؟.

فلما راهم النبيّ عليه الصلاة والسلام يهرعون إلى حصونهم أراد أن يقذف في قلوبهم الرعب فصاح: «الله أكبر! هلكت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين» «١» .

والقرى الفاجرة تجرّ على نفسها الهلاك إن عاجلا وإن اجلا، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا شاع الزّنى والرّبا في قرية فقد أحلّت بنفسها غضب الله» «٢» .

واليهود يشيع فيهم هذا الفساد المزدوج، فهم إلى اليوم دهاقين الرّبا في العالم، وهم قادة التبرّج والعهر، ونسوتهم لا يرددن يد لامس، ولا ينفي هذا أنّ فيهم فئة تعرف الخلق والعفّة، ولكنّهم قليل:

وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) [الأعراف] .

والكثرة- لا القلّة- هي التي تحدد مصائر الشعوب.

[[حصون اليهود تتداعى] :]

وشنّ المسلمون هجومهم على الحصون المشيّدة، فبدأت تتداعى تحت وطأتهم حصنا بعد حصن، ودافع اليهود عنها دفاع المستميت، فإنّ خيبر أخصب أرضهم وأمنع بقاعهم.

ولما بدأ الحصار يمتدّ؛ وبنو إسرائيل إذا سقطت لهم قلعة تمسكوا بأخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله!» فبات الناس يذكرون أيّهم يعطاها.

فلمّا أصبحوا غدوا إليه متطلّعين إلى أخذها، فنادى النبيّ صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب فأعطاها إياه، فقال علي: يا رسول الله! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال:

«انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٣٧٦- ٣٧٧، عن أنس.
(٢) حديث صحيح أخرجه الحاكم: ٢/ ٣٧، من حديث ابن عباس، وقال: «صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، ورواه أبو يعلى عن ابن مسعود، وإسناده جيّد، كما في الترغيب: ٣/ ٥١.

<<  <   >  >>