شيئا ما لن يقف في طريقه، كلّ ذلك جعل الجيش يزحف للقاء المشركين وهو غير مكترث لما سوف يواجه، ولم يكترث؟!.
إنّهم- وهم قلة- كانوا يكسبون المعارك الطاحنة، فكيف وهم اليوم يخرجون في عدد لم يجمعوا مثله قبلا؟! قيل: إنّ أبا بكر الصدّيق لما نظر إلى الجيش قال: لن نغلب اليوم من قلّة..!.
ذلك أنّ المسلمين بلغوا اثني عشر ألفا بمن انضمّ إليهم من أهل مكة.
[هزيمة:]
وسار الجيش الواثق حتى وصل إلى وادي (حنين) .
وكان (مالك بن عوف) ورجاله قد سبقوا إلى احتلال مضايقه، وانبثوا في الشعاب والأجناب المنيعة، ثم تهيئوا لاستقبال المسلمين.
وأقبلت الطلائع الغفيرة تتدافع نحو الوادي- وهي غافلة عمّا يكمن فيه- وكان واديا أجوف منحدرا، ينحطّ فيه الركبان كلّما أوغلوا كأنهم يسيرون إلى هاوية.
فلمّا تكاثرت في دروبه الفرق الزاحفة، لم يرعهم إلا وابل من السهام يتساقط فوقهم من المكامن العالية، وكان غبش الفجر لا يزال يترك بقاياه في الجو الغائم، فارتاعت المقدمة لهذه المفاجأة، فهي في عماية من الليل وعماية من أمرها، لا تعرف إلا أن تستدير ثم تولي الأدبار.
وانتشرت موجة الفزع، فكسرت الصفوف المرصوصة وبعثرتها.
واستغل رجال (مالك بن عوف) هذا الارتباك فهجمت كتائبهم، وحملت الخيل على ما أمامها، فانكفأ المسلمون مهزومين، لا يلوي أحد على أحد.
ونظر زعماء مكة إلى الجيش المولّي نظرة تشفّ وفرح.
وعاد إلى بعضهم كفره بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال (أبو سفيان) : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! ولا عجب.. فإنّ الأزلام التي يستقسم بها في جاهليته لا تزال في كنانته.
وقال (كلدة بن الجنيد) : ألا بطل السحر اليوم.
فأجابه (صفوان بن أمية) - ولما يزل مشركا-: اسكت فضّ الله فضّ الله فاك، فو الله لأن يربّني رجل من (قريش) أحبّ إليّ من أن يربّني رجل من (هوازن) .