للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حج أبي بكر بالناس]

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج، ليقيم بالمسلمين المناسك، فخرج من المدينة يسوق البدن أمامه مولّيا وجهه شطر المسجد الحرام، ونزل الوحي بسورة براءة بعد انصراف أبي بكر ووفد الحجيج، فأشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث بالايات إليه ليقرأها على أهل الموسم كافّة.

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل بها عليّ بن أبي طالب قائلا: «لا يؤدّي عنّي إلا رجل من أهل بيتي» «١» ، وذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشّ مع عادة العرب في عهود الدماء والأموال.

ألا ترى أنه قبل هجرته وكل إلى عليّ ردّ الأمانات إلى أهل مكة؟ إنّ أواصر القربى تقتضي التكافل التامّ في هذه الشؤون، فكأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أدّى بيده ما أداه علي رضي الله عنه عنه، وكأنّه قال بلسانه في الموسم ما سيقرؤه عليّ بين الناس.

ورعاية هذا الإفهام ليست فريضة، بل هي من النبي صلى الله عليه وسلم زيادة حيطة وإعذار.

قال ابن إسحاق: ثم دعا عليّ بن أبي طالب فقال له: «اخرج بهذه القصّة من صدر براءة، وأذّن في النّاس يوم النّحر إذا اجتمعوا بمنى: أنّه لا يدخل الجنّة كافر، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدّته» .

فخرج عليّ يمتطي العضباء- ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم- حتى أدرك أبا بكر بالطريق.

فلما راه أبو بكر سأله: أأمير أم مأمور؟ قال: بل مأمور، ثم مضيا «٢» .


(١) حديث حسن، رواه ابن هشام: ٢/ ٣٢٨، عن ابن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي مرسلا، لكن له شواهد يتقوّى بها، ذكرها ابن كثير في تاريخه: ٥/ ٣٧- ٣٨.
(٢) حديث حسن، وهو تمام حديث أبي جعفر المتقدم.

<<  <   >  >>