عاشت مكة في بحبوحة من الحياة أمدا طويلا، امنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، وترجع هذه السعة إلى عاملين:
١- مهارة أهلها التجارية.
٢- ومكانة الحرم الدينية.
كلا الأمرين أدرّ عليها أخلاف الخير، فأثرت حتى بطرت، وشبعت حتى أتخمت، ثم عراها ما يعرو كل جماعة تواتيها الحظوظ ويصبغها الترف من:
تكبّر، وقسوة، وجحود، فلما ظهر فيها الإسلام، ودعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحق، ردت يده في فمه، وأحدقت به وبمن معه، وملكها العناد من أول يوم، وأعلنت أنّ مركزها- عاصمة للوثنية، ومجمعا للأصنام، ومثابة للحجيج- سيزول إن هي استمعت إلى هذا الدين، وأمكنته من البقاء.
وحاول الرسول عليه الصلاة والسلام- جاهدا- أن يقنع أهل مكة بأن قبولهم للحق لن يحرمهم ذرة من الخير الذي متّعوا به، فأبى الظالمون إلا كفورا:
ومن هنا اشتبك سادة مكة في حرب مع الإسلام، اعتبروها دفعا عن كيانهم المادي، ووضعهم الاقتصادي، إلى جانب ما هنالك من عوامل أخرى، وهذه الحروب معروفة النتائج:
أما الأمر في (يثرب) فكان على النقيض، إنّ الشحناء المتأصّلة بين أهليها استنزفت دماءهم، وقطعت شملهم، وشغلت بعضهم ببعض، حتى أوصلتهم الحروب الدائمة إلى درك أسف له العقلاء، وتمنّوا الإنقاذ منه. كان (الأوس)