لم يهدأ بال قريش مذ غشيها في «بدر» ما غشيها، وكان ما جدّ من الحوادث بعد لا يزيد أحقادها إلا ضراما، فلما استدارت السنة، كانت مكة قد استكملت عدتها، واجتمع إليها أحلافها من المشركين، وانضمّ إليهم كلّ ناقم على الإسلام وأهله.
فخرج الجيش الثائر في عدد يربو على ثلاثة الاف.
ورأى أبو سفيان- قائده- أن يستصحب النساء معه، حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال دون أن تصاب حرماتهم وأعراضهم؟ وكانت الترات القديمة والغيظ الكامن يشعل البغضاء في القلوب، ويشفّ عما سوف يقع من قتال مرير.
وفي أوائل شوال من السنة الثالثة وصل الجيش الزاحف إلى المدينة، فنزل قريبا من جبل «أحد» وأرسل خيله ترعى زروعها الممتدة هناك.
واجتمع المسلمون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدبّرون أمرهم.
أيخرجون لمقاتلة العدو في العراء أم يستدرجونه إلى أزقة المدينة، حتى إذا دخلها قاتله الرجال في الطرق، وقاتلته النساء من فوق أسطح البيوت؟.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل إلى الرأي الأخير، وأيّده فيه رجال من أولي النظر والروية، وقال عبد الله بن أبي: هذا هو الرأي، لكنّ الرجال الذين لم يشهدوا بدرا تحمّسوا للخروج، وقالوا: كنا نتمنّى هذا اليوم، وندعو الله، فقد ساقه إلينا وقرب المسير! وظاهرهم الشباب الطامح في الاستشهاد، وبدا أنّ كثرة المسلمين تميل إلى البروز لملاقاة العدو، فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم بيته وخرج منه لابسا عدته متهيئا للقتال.
وشعر القوم أنّهم استكرهوا الرسول صلى الله عليه وسلم على رأيهم، وأظهروا الرغبة في النزول على رأيه. بيد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وجد غضاضة من الاضطراب بين شتى الاراء، فقال: «ما ينبغي لنبيّ لبس لأمته أن يضعها، حتّى يحكم الله بينه