ترامت الأنباء إلى (يثرب) أنّ قافلة ضخمة لقريش تهبط من مشارف الشام عائدة إلى مكة، تحمل لأهلها الثروة الطائلة؛ ألف بعير موقرة بالأموال يقودها أبو سفيان بن حرب مع رجال لا يزيدون عن الثلاثين أو الأربعين!.
إن الضربة التي تنزل بأهل مكة- لو فقدوا هذه الثروة- موجعة حقا، وفيها عوض كامل لما لحق المسلمين من خسائر في أثناء هجرتهم الأخيرة، لذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه:«هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعلّ الله ينفلكموها»«١» .
لم يعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على أحد بالخروج، ولم يستحثّ متخلّفا، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة ثم سار- بعد- بمن أمكنه الخروج.
وكان الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرة يحسبون أن مضيّهم في هذا الوجه لن يعدوا ما ألفوا في السرايا الماضية، ولم يدر بخلد واحد منهم أنه مقبل على يوم من أخطر أيّام الإسلام! ولو علموا لاتخذوا أهبتهم كاملة، ولما سمح لمسلم أن يبقى في المدينة لحظة؛ لذلك فترت الهمم عند ما وردت أخبار أخرى بأنّ القافلة المطلوبة غيّرت طريقها، واستطاع قائدها (أبو سفيان) أن ينجو من الخطر المحدق به، بعد أن أرسل إلى أهل مكة يستنفرهم لحماية أموالهم، ويستثير حميتهم للخروج في تعبئة ترد كل هجوم.
وغالب النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا الفتور العارض، وحذّر صحابته من عقبى العود السريع إلى المدينة إن فاتهم مال مكة وخرج إليهم رجالها!.