ثم قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود: ٨٠] .
[[قلة ماله عليه الصلاة والسلام] :]
لكن محمدا عليه الصلاة السلام، على كرم محتده لم يرزق حظّا وافرا من الثّراء، فكانت قلة ماله مع شرف نسبه سببا في أن يجمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات؛ إن أبناء البيوتات الكبيرة تغريهم الثروة بالسطوة، فإذا فقدوا هذا السلاح، وكانت لهم تقاليد كريمة بذلوا جهودا مضنية ليحتفظوا بمكانتهم وشممهم. ولذلك يقول قائلهم:
وإنّا- على عضّ الزمان الذي بنا- ... نعالج من كره المخازي الدّواهيا
وربما لا يرى بعض الناس حرجا من أن يعلن فاقته ويكشف صفحته.
غير أنّ هناك بعض اخر يطوون همومهم في همتهم، ثم يبرزون للدنيا مشمّرين، ومن هؤلاء: عبد الله بن عبد المطلب.
كان عبد المطلب سيّد مكة، بيد أن هذه السيادة التي انتهت إليه انتهت به ولم تستقر في عقبه، إذ اشتد ساعد منافسيهم في زعامة أمّ القرى، وبدا كأنّ الأمر سيؤول إليهم؛ بل إن هي إلا أعوام حتى تصدّرت أسرة عبد شمس، ثم تمرّ أعوام أخرى فإذا أبو سفيان يتزعّم مكة، وبذلك تنتقل السيادة عن بني هاشم.
و (عبد الله) أصغر أبناء عبد المطلب، وله في قلبه منزلة جليلة، وقد زوّجه بامنة بنت وهب، ثم تركه يسعى في الحياة واحده، فخرج وهو عروس بعد أشهر من بنائه بامنة، خرج يضرب مناكب الأرض ابتغاء الرزق، وذهب في رحلة الصيف إلى الشام، فذهب ولم يعد ... عادت القافلة تحمل أنباء مرضه، ثم جاء بعد قليل نعيه.
وكانت امنة تنتظر رجلها الشاب الجلد، لتهنأ بمحياها معه؛ ولتشعره بأن في أحشائها جنينا يوشك أن تقر به عينهما؛ غير أن القدر- لحكمة عليا- حسم هذه الأماني الحلوة، فأمست الزوج المحسودة أيّما، تعدّ الليالي لتودع الحياة الموحشة (يتيمها) الفريد ...
قال الزهري: أرسل عبد المطلب ابنه عبد الله إلى المدينة يمتار لهم تمرا، فمات بها، وقيل: بل كان بالشام، فأقبل في عير قريش، فنزل بالمدينة وهو