إنّ المؤمنين الذين صحبوا الأنبياء، واقتربوا من حياتهم، أتيح لهم ما لم يتح لغيرهم من منابع الصفاء، ووسائل الارتقاء.
إنّ مشاعرك ترقّ عند ما تسمع النغم العذب، وعواطفك تسمو عند ما تقرأ البطولة الرائعة، بل إنّ الذين يحضرون تمثيل بعض الروايات المثيرة يصبغهم جو القصة المفتعلة، فيضحكون ويبكون، ويهدؤون ويضجون.. فما ظنّك بقوم يتبعون رجلا تكلّمه السماء، ويتفجر من جوانبه الكمال، ويسكب على من حوله ايات الطهر؟ فإذا ثقلت نفوسهم عن خير، دفع بها إلى الأمام، وإذا علقت بمسالكهم شهوة، نقّاها فرد عليها سناءها، إنّ للعظماء إشعاعا يغمر البيئة التي يظهرون فيها، وكما يقترب المصباح الخامد من المصباح المشتعل فيضيء منه، تقترب النفوس المعتادة من الفرد الممتاز، فتنطوي في مجاله وتمشي في اثاره!!.
وقد التفّ بمحمد صلى الله عليه وسلم فريق من الربانيين الأتقياء، كانوا له تلاميذ مخلصين، فزكت- بصحبته- نفوسهم، وشفّت طباعهم، حتى أشرق عليها من أنوار الإلهام ما جعلها تنطق بالحكمة وفصل الخطاب.
ولا تحسبنّ العقل الجبار- مهما أوتي من نفاذ- يستطيع إدراك الكمال بقوته الخاصة، فإذا لم تسدده عناية عليا، فإنه سيجوب كلّ أفق دون أن يبصر غاية، أو يهتدي طريقا، كالطيار الذي يضل في الجو عند ما يتكاثر أمام عينيه الضباب. إنه يحكم القيادة، ويضبط الالات، ويرسل أنوار مصابيحه في أحشاء الغيوم المتراكمة، فإذا لم يتلق إرشادا يحدد له مكانه وبعده وكيف يهبط.. فإنه سيظلّ يحلّق عبثا، ثم تهوي به الريح في مكان سحيق.
وكم من فلاسفة عالجوا شؤون الكون والحياة، فمنهم من ضلّ عن الحق على طول بحثه عنه، فلم يصل إليه قط، ومنهم من استغرق في الوصول إليه أعواما طوالا، ولو مشى وراء الرسل لانتهى إليه في أيام قصار، وهو في مأمن من الشرود والعثار!.