ثم إنّ الإنسان ليس عقلا فحسب، إنه- قبل ذلك- قلب ينبغي أن يسلم من الأهواء والاثام، وأن ينجو من الشقاوة والظلام، وأن يكون في حنايا صاحبه قوة تسوق إلى الخير والحب، وحاديا يهفو إلى الجمال والرحمة.
والمرسلون الكرام يتعهّدون ضمائر البشر بالتعليم والتربية.
وأشبه الناس بهم من اقتفى اثارهم، وأخذ في طريقهم، وأول أولئك قاطبة من صحبوهم في حياتهم، وقاسموهم أعباء دعوتهم ومغارم جهادهم.
قال عبد الله بن مسعود:«من كان مستنّا فليستنّ بمن مات، فإنّ الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمّد عليه الصلاة والسلام، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا، اختارهم الله لصحبة نبيّه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسّكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنّهم كانوا على الهدى المستقيم..» .
ولا شك أنّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يرجحون أصحاب موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام.
فإنّ تاريخهم في الإيمان والجهاد وإبلاغ الدعوة إلى الأخلاف كاملة مضبوطة غير منقوصة ولا محرّفة، لا يشبه أيّ تاريخ اخر..
ونحن نسوق هذه المقدمة بين يدي الكلام عن الأذان، وكيف شرع؟ فإنّ ميلاد هذه الشعيرة العظيمة، يحمل معه ايات بيّنة عن عظمة النفوس إذا صفت فنضحت بالحق، وسكن إليها الإلهام.
قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقا كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس، فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة؛ فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة أخو بني الحارث النداء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنه طاف بي هذه الليلة طائف، مرّ بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع هذا الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: ألا أدلّك على خير من ذلك؟ قلت: ما هو؟ قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر. أشهد ألاإله إلا الله، أشهد ألاإله إلا الله.