للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نزل الوحي ينذر هؤلاء بسوء المنقلب:

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣) [ال عمران] .

والاية الأخيرة تذكير بما وقع في بدر.

[طرد يهود بني قينقاع:]

وأول من كشف عن ضغنه، وهزأ بالإسلام وأهله يهود بني قينقاع، المقيمين داخل المدينة نفسها، وكظم المسلمون غيظهم، وانتظروا ما تتمخّض عنه الليالي من مكر اليهود.

وسعى هؤلاء إلى حتفهم بظلفهم، فقد حدث أنّ امرأة عربية قدمت بجلب لها «١» ، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ هناك، فاجتمع حولها نفر من اليهود، يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها وهي غافلة، فعقده إلى ظهرها.

فلما قامت انكشفت سوءتها، وضحك اليهود منها، وصاحت المرأة، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فشدّت اليهود على المسلم فقتلوه، وهكذا طارت الشرارة، ووقعت الحرب بين المسلمين وبني قينقاع.

وكان ذلك في منتصف شوال في السنة الثانية من الهجرة.

لجأ اليهود إلى حصونهم يقاتلون فيها، ففرض الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم الحصار، وأحكمه خمس عشرة ليلة، حتى اضطروا إلى التسليم، ورضوا بما يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقابهم ونسائهم وذريتهم، فلمّا أمكن الله منهم، جاء عبد الله بن أبي فقال: يا محمد! أحسن في مواليّ- وكانوا حلفاء الخزرج- فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكرّر ابن أبيّ مقالته: أحسن في مواليّ، فأعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. فأدخل يده في جيب درعه، فتغيّر لون النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:

«أرسلني» ، وغضب حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم أعاد أمره وهو مغضب: «أرسلني ويحك» ! قال ابن أبي: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ، أربعمئة حاسر


(١) الجلب: كل ما يجلب إلى الأسواق ليباع بها.

<<  <   >  >>