أخذت الدعاية للإسلام تنتشر في مكة، وتعمل عملها في أصحاب الأفئدة الكبيرة، فسرعان ما يطرحون جاهليتهم الأولى، ويخفّون إلى اعتناق الدين الجديد، وكانت ايات القران تنزل على القلوب التي استودعت بذور الإيمان، كما ينزل الوابل على التربة الخصبة:
كان أصحاب العقائد يتجمّعون- في تؤدة- حول عقائدهم، ويلتفّون- في حبّ وإعجاب- حول إمامهم، ويشرحون- في حذر- أصول فكرتهم.
والإيمان قوة ساحرة، إذا استمكنت من شعاب القلب، وتغلغلت في أعماقه، تكاد تجعل المستحيل ممكنا.
ولقد رأينا شبابا وشيوخا يلتقون عند فكرة من الفكر، ويحلّونها من أنفسهم محلّ العقائد الراسخة، ومع أنها فكرة مادية بحتة، إلا أنّهم يجعلون من حياتهم وقود حركتها، ويتحمّلون أقبح الأذى في سبيل نصرتها.
وفي السجون- الان- رجال تخرّجوا من جامعات الغرب، يقضون شطرا من أعمارهم مع القتلة وتجّار المخدّرات ... ! ويرون ذلك بعض الجهد الواجب لإنجاح مبادئهم، ودفعها إلى الأمام، فكيف إذا كان الإيمان الذي ظهر في صدر الإسلام إيمانا بالله ربّ السموات والأرض، وإيمانا بالدار الاخرة حيث ينفلت الإنسان من هذه الدنيا لتستقبله في جوار الله الحدائق الغنّاء، والقصور الزهر، من تحتها الأنهار الجارية، والنعيم المقيم؟ ... إنّ الرعيل الأوّل أخذ يتكوّن ويتزايد على الأيام.
ومن الطبيعي أن يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم- أولا- الإسلام على ألصق الناس به من ال بيته وأصدقائه، وهؤلاء لم تخالجهم ريبة قطّ في عظمة محمد عليه الصلاة والسلام، وجلال نفسه، وصدق خبره، فلا جرم أنهم السابقون إلى مؤازرته واتّباعه.