والنهي عن سؤال الايات عود بالناس إلى الأحوال المألوفة؛ إذ لا جدوى في الخروج عليها، وخير للسائلين أن يبذلوا طاقتهم في أداء ما يكلّفون به، وأن يرققوا قلوبهم حتى تلين لأمر الله.
فإن من قبلهم شهد العجائب، ثم أغرتهم قسوة القلب بازدرائها، فحاقت بهم اللعنة.
[[تحقيق أهداف الغزوة] :]
وبلغ المسلمون (تبوك) فلم يجدوا بها كيدا، أو يواجهوا عدوا، ولا بدّ أن الروم اثروا الاختفاء داخل حدودهم عن ملاقاة هذه القوة الفتية.
وصالح النبي صلى الله عليه وسلم متنصرة العرب الضاربين في هذه الأرجاء، فدخل في عهده أهل (أيلة) و (أذرح) و (تيماء) و (دومة الجندل) ، وأيقنت القبائل التي تعمل لحساب الرومان أن اعتمادها على سادتها الأقدمين قد فات أوانه.
وغزوة تبوك تشبه غزوة الأحزاب، فإنّ بلاء المسلمين أولها كان شديدا، ثم جاء ختامها طمأنينة وعزة، ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم هنالك بضعة عشر يوما، يمد بصره وراء الصحراء، حيث اختفى الرومان، يرقب منهم حركة، فلمّا رأى القوم قابعين مستكينين، قرر أن يقفل عائدا إلى المدينة موفورا منصورا.
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولاحت له معالمها من بعيد. فقال: «هذه طابة! وهذا (أحد) جبل يحبّنا ونحبّه «١» !» وتسامع الناس بمقدمه، فخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:
طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع
وجب الشّكر علينا ... ما دعا لله داع
لقد قوبل جيش العسرة في مرجعه هذا بحفاوة بالغة. إنّه أكبر جيش خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ وصل تعداده نحو الثلاثين ألفا، ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه وإيابه أصحاب القلوب الكبيرة، الذين صعب عليهم أن يجاهدوا معه، فتخلّفوا راغمين، والعبرات تملأ عيونهم.
عن أنس بن مالك: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك، فدنا من