للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المقاطعة العامة]

وتمخّض حقد المشركين عن عقد معاهدة تعتبر المسلمين ومن يرضى بدينهم؛ أو يعطف عليهم؛ أو يحمي أحدا منهم- حزبا واحدا دون سائر الناس، ثم اتفقوا ألا يبيعوهم، أو يبتاعوا منهم شيئا، وألا يزوجوهم، أو يتزوّجوا منهم، وكتبوا ذلك في صحيفة علّقوها في جوف الكعبة، توكيدا لنصوصها.

ولا شكّ أنّ المتطرفين من ذوي النزق والحدّة، نجحوا في فرض رأيهم، وإشباع ضغنهم، فاضطر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الاحتباس في شعب بني هاشم، وانحاز إليهم بنو المطلب، كافرهم ومؤمنهم على سواء، ما عدا أبا لهب، فقد ازر قريشا في خصومتها لقومه.

وضيّق الحصار على المسلمين، وانقطع عنهم العون، وقلّ الغذاء حتى بلغ بهم الجهد أقصاه، وسمع بكاء أطفالهم من وراء الشّعب، وعضتهم الأزمات العصبية، حتى رثى لحالهم الخصوم، ومع اكفهرار الجو في وجوههم، فقد تحملوا في ذات الله الويلات.

ولم تفتر حدة الوثنيين في الحملة على الإسلام ورجاله، وفي تأليب العرب عليهم من كل فج.

قال السهيلي: كانت الصحابة إذا قدمت عير إلى مكة، يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئا من الطعام قوتا لعياله، فيقوم أبو لهب فيقول: يا معشر التجار! غالوا على أصحاب محمد، حتى لا يدركوا معكم شيئا، وقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن ألاخسار عليكم. فيزيدون عليهم السلعة قيمتها أضعافا، حتى يرجع أحدهم إلى أطفاله، وهم يتضاغون من الجوع، وليس في يده شيء يطعمهم به، ويغدو التجار على أبي لهب، فيربحهم فيما اشتروا من الطعام واللباس، حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعا وعريا.

وروى يونس عن سعد بن أبي وقاص، قال: خرجت ذات ليلة لأبول

<<  <   >  >>