عزّ على المسلمين مصرع رسولهم إلى أمير بصرى، والطريقة الشائنة التي عومل بها، فقد أوثق شرحبيل بن عمرو رباطه، ثم قدّمه فضرب عنقه، ولم يقتل أحد غيره من بعوث الرسول صلى الله عليه وسلم الكثيرة إلى الافاق، والرّسل لا يقتلون، لذلك كان وقع هذه الإهانة شديدا على المسلمين، فعزموا على الاقتصاص لرجلهم، وعلى زلزلة الوالي الأثيم الذي صنع ما صنع لحساب الرومان.
وتجهّز المسلمون في جيش يعتبر بالنسبة لهم كبيرا، إذ بلغت عدّته ثلاثة الاف، وخرج أهل المدينة يودّعون الجيش الزاحف، وهم يقولون: صحبكم الله بالسلامة ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين، فقال عبد الله بن رواحة يردّ على هذا الوداع:
لكنّني أسأل الرّحمن مغفرة ... وضربة ذات فرع تقذف الزّبدا!
أو طعنة بيدي حرّان مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا!
حتّى يقال- إذا مرّوا على جدثي- ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا!
ورتب النبيّ صلى الله عليه وسلم قادة الجيش، فجعل الأمير زيد بن حارثة، وقال:«إن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر، فعبد الله بن رواحة»«١» .
وانطلق الجيش إلى مشارف الشام.
إلا أنّ أخباره سبقته إلى الروم، ولا بدّ أن تهاويل كثيرة أحاطت بسمعة المسلمين وطاقاتهم الحربية، مما جعل القوم يستعدون للقتال بجيش كثيف.
فلمّا وصل المسلمون إلى (معان) عرفوا أنّ في انتظارهم مئة ألف من الروم، ومئة ألف أخرى من نصارى العرب.
والهجوم على جيش تلك عدته مجازفة مخوفة، فأقام المسلمون ليلتين
(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٤١٢، وغيره عن ابن عمر؛ وأحمد: ٥/ ٢٩٩- ٣٠٠- ٣٠١، عن أبي قتادة، وسنده صحيح.