للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[العرب حين البعثة]

كان أهل مكة ضعاف التفكير، أقوياء الشهوات.

إذ لا صلة بين نضج الفكر ونضح الغريزة، ولا بين تخلّف الجماعات من الناحية العقلية، وتخلّفها من ناحية الأهواء والمطامع.

إن عرام الشهوات الذي نسمع عنه في (باريس) و (هوليود) لا يزيد كثيرا عمّا وعته القرون الخالية من مفاسد الإنسان على ظهر الأرض.

وتقدّم الحضارة لا أثر له من هذه الناحية إلا في زيادة وسائل الإغراء فحسب.

أمّا الشهوات نفسها فهي هي من قبل الطوفان ومن بعده: الأثرة، والجشع، والرياء، والتهارش، والحقد، وغير ذلك من ذميم الخصال، ملأت الدنيا من قديم، وإن تغيرت الأزياء التي تظهر بها على مر العصور.

وإنّ الإنسان ليرى في القرية التافهة، وفي القبيلة الساذجة من التنافس على المال والظهور ما يراه في أرقى البيئات، وكثيرا من الناس تفوتهم أنصبة رائعة من العلم والفضل، ولكن لا تفوتهم أنصبة كبيرة جدا من الاحتيال والتطلّع والدّسّ، وقد تستغرب إذ ترى الشخص لا يحسن فهم مسألة قريبة من أنفه؛ ومع ذلك فهو يفهم جيدا ألا يكون فلان أفضل منه!!.

من عهد نوح عليه السّلام والحياة تجمع أمثلة شتى لهذا الغباء وهذا العناد؛ فعند ما دعي قوم نوح عليه السّلام إلى الإيمان بالله واحده، كانت إجابتهم لنوح عليه السّلام لا تهتم بموضوع الدعوة قدر اهتمامها بشخص الداعي، وما سيحرزه من فضل بهذه الرسالة!:

فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ... [المؤمنون: ٢٤] .

ما أكثر منافذ الهوى إلى الأعمال والأحكام، وما أعقد مخلّفات الهوى في الأخلاق والأفكار، والسير والسياسات!!.

<<  <   >  >>