فالجبن والنكوص هما اللذان كشفا عن طوية المنافقين، فافتضحوا أمام أنفسهم وأمام الناس قبل أن تعلن عن نفاقهم السماء.
فإذا تجاوزت السفوح التي يدبّ عليها أولئك المنافقون، وثبت إلى ذرا شامخة للإيمان البعيد الغور، النقيّ العنصر، يتمثل في مرحلة الهجوم المظفر الذي ابتدأ به القتال، ثم في مرحلة الدفاع النبيل الهائل الذي حمل المسلمون عبئه عند ما ارتدت الكرة للمشركين، ورجحت كفتهم.
إن الرجال الذين يكتبون التاريخ بدمائهم، ويوجّهون زمامه بعزماتهم؛ هم الذين صلوا هذه الحرب، وحافظوا بها مصير الإسلام في الأرض.
روي أن (خيثمة) قتل ابنه في معركة بدر فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت- والله- عليها حريصا حتى ساهمت ابني في الخروج، فخرج- في القرعة- سهمه، فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة، يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، يقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا!!.
ثم قال: وقد أصبحت يا رسول الله مشتاقا إلى مرافقته، وقد كبرت سنّي، ورقّ عظمي، وأحببت لقاء ربّي؛ فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة ومرافقة ابني خيثمة في الجنة، فدعا رسول الله عليه الصلاة والسلام له، فقتل ب (أحد) شهيدا «١» .
[[من بطولات الصحابة وتضحياتهم] :]
وكان (عمرو بن الجموح) أعرج شديد العرج، وكان له أربعة أبناء شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توجّه إلى (أحد) أراد أن يخرج معه، فقال له بنوه: إنّ الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، وقد وضع الله عنك الجهاد.
فأتى عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّ بنيّ هؤلاء يمنعونني أن أجاهد معك،