للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سراقة بن مالك قد رهقنا! وما أتمّ كلامه حتى هوت الفرس مرة أخرى ملقية سراقة من على ظهرها، فقام معفّرا ينادي بالأمان!!.

وقع في نفس سراقة أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام حقّ فاعتذر إليه، وسأله أن يدعو الله له، وعرض عليهما الزاد والمتاع، فقالا: لا حاجة لنا، ولكن عمّ عنا الطلب «١» ، فقال: قد كفيتم، ثم رجع، فوجد الناس جادّين في البحث عن محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه، فجعل لا يلقى أحدا من الطّلب إلا ردّه وهو يقول: كفيتم هذا الوجه!.

أصبح أول النهار جاهدا عليهما، وأمسى اخره حارسا لهما ... !!.

[دعاء:]

إنّ أسفار الصحراء توهي العمالقة الامنين؛ فكيف بركب مهدر الدم، مستباح الحق؟!.

ما يحسّ هذه المتاعب إلا من صلي نارها، لقد برزنا لوهج الظهيرة يوما، فكادت الأشعة البيضاء المنعكسة على الرمال تخطف أبصارنا، فعدنا مغمضين، نستبقي من عيوننا ما خفنا ضياعه.

وعند ما تصبح وتمسي وسط وهاد ونجاد لا تنتهي حتى تبدأ، تخال العالم كلّه مهامه مغبّرة الأرجاء، داكنة الأرض والسماء.

وجرت عادة المسافرين أن يأووا في القيلولة إلى أي ظلّ في بطاح ينتعل كل شيء فيها ظله، حتى إذا جنحت الشمس للمغيب، تحرّكت المطايا اللاغبة، تغالب الجفاف والكرى.

وللعرب طاقة على احتما لهذا الشظف مع قلّة الزاد والري.

وقد مر بك أن الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو طفل- قطع هذه الطريق، ذهب مع أمه لزيارة قبر أبيه، ثم عاد واحده!.

وإنه الان ليقطعها، وقد بلغ الثالثة والخمسين، لا لزيارة أبويه اللذين ماتا


(١) إلى هنا أخرجه البخاري: ٧/ ١٩٠- ١٩٢؛ والحاكم: ٣/ ٦- ٧، من حديث سراقة بن مالك بن جعشم، وبقية القصة إلا السطر الأخير أخرجها مسلم: ٨/ ٢٣٦، ٢٣٧، من حديث البراء بن عازب، والسطر المذكور عند البخاري: ٧/ ٢٠٠، من حديث أنس، ورواه أحمد أيضا: ٣/ ٢١١.

<<  <   >  >>