للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقول: ما لي ولمزينة؟! ... حتى نفذت القبائل، ما تمرّ به قبيلة إلا سألني عنها، فإذا أخبرته قال: ما لي ولبني فلان؟. حتى مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، وفيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال:

سبحان الله! يا عباس! من هؤلاء؟.

قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار.

قال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة! والله با أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما!!.

قال العباس: يا أبا سفيان، إنّها النبوة. قال: فنعم إذن «١» .

[[دعوة أبي سفيان إلى الاستسلام] :]

ودخل أبو سفيان مكة مبهورا مذعورا، وهو يحسّ أنّ من ورائه إعصارا، إذا انطلق اجتاح ما أمامه، فما يقف دونه شيء، ورأى أهل مكة الجيش الفاتح يقبل من بعيد رويدا رويدا، فاجتمعوا على سادتهم، ينتظرون الأوامر بالقتال، فإذا بصوت أبي سفيان ينطلق عاليا واضحا: يا معشر قريش! هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو امن، وشدهت امرأته هند بنت عتبة وهي تسمع من زوجها هذا الكلام، فوثبت إليه، وأخذت بشاربه تلويه وصاحت:

اقتلوا الحميت الدسم الأحمش- أي هذا الزقّ المنتفخ- قبّحت من طليعة قوم.

ولم يكترث أبو سفيان لسباب امرأته فعاود تحذيره: ويلكم لا تغرنّكم هذه من أنفسكم، فإنّه قد جاءكم ما لا قبل لكم به. فمن دخل دار أبي سفيان فهو امن.

قالوا: قاتلك الله؟ وما تغني عنّا دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

وأصبحت (أم القرى) وقد قيّد الرعب حركاتها، واسترخت تجاه القدر المنساق إليها، فاختفى الرجال وراء الأبواب الموصدة، أو اجتمعوا في المسجد الحرام يرقبون مصيرهم وهم واجمون.


(١) حديث صحيح، رواه ابن هشام: ٢/ ٢٦٨- ٢٦٩، عن ابن إسحاق بدون إسناد. لكن رواه عنه ابن جرير والطبراني موصولا عن ابن عباس كما تقدم انفا. وبعضه في صحيح البخاري: ٨/ ٤- ٦؛ وابن جرير: ٢/ ٣٣٢- ٣٣٣، عن عروة مرسلا فهو شاهد قوي.

<<  <   >  >>