للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الوصول إلى المدينة]

وكذلك ترامت أخبار المهاجر العظيم وصاحبه إلى المدينة، فكان أهلها يخرجون كلّ صباح يمدّون أبصارهم إلى الأفق البعيد، ويتشوّفون إلى مقدمه بلهفة؛ فإذا اشتدّ عليهم الحرّ عادوا إلى بيوتهم، يتواعدون الغد، وملء جوانحهم الترقّب، والقلق، والرجاء.

وفي اليوم الثاني عشر من ربيع الأول لثلاث عشرة سنة من البعثة، برز الأنصار على عادتهم منذ سمعوا بمخرج الرسول عليه الصلاة والسلام إليهم، ووقفوا بظاهر المدينة ينتظرون طلعته، ويودّون رؤيته، فلما حميت الظهيرة، وكادوا ييئسون من مجيئه، وينقلبون إلى بيوتهم؛ صعد رجل من اليهود على أطم من اطامهم لبعض شأنه، فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبه يتقاذفهم السراب، وتدنو بهم الرواحل رويدا رويدا إلى المدينة، إلى وطن الإسلام الجديد، فصرخ اليهودي بأعلى صوته: يا بني قيلة، هذا صاحبكم قد جاء، هذا جدّكم الذي تنتظرون ...

فأسرع الأنصار إلى السلاح، يستقبلون به رسولهم صلى الله عليه وسلم، وسمع التكبير يرجّ أنحاء المدينة، ولبست (يثرب) حلّة العيد ومباهجه.

قال البراء: أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، وابن أمّ مكتوم، فجعلا يقرئان الناس القران، ثم جاء عمار، وبلال، وسعد، ثمّ جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت الناس فرحوا بشيء كفرحهم به، حتى رأيت النساء والصبيان والإماء يقولون: هذا رسول الله قد جاء «١» .

يا عجبا لنقائض الحياة واختلاف الناس! إنّ الذي شهرت مكة سلاحها


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٢٠٨- ٢٠٩، ٨/ ٥٦٨؛ والطيالسي: ٢/ ٩٤؛ وأحمد، رقم (٣) .

<<  <   >  >>