[[محمد صلى الله عليه وسلم يحمل أعباء الدعوة إلى الله]]
تقلّصت ظلال الحيرة، وثبتت أعلام الحقيقة، وعرف محمد عليه الصلاة والسلام معرفة اليقين أنّه أضحى نبيّا لله الكبير المتعال، وأنّ ما جاءه سفير الوحي ينقل إليه خبر السماء.. إلا أنّ الروعة التي انتابته من هذه الصلة بين إنسان وملك، تركت في نفسه أثرا من الجهد، كأنّما كان يعالج عملا مرهقا صعبا.
ولا عجب! فقد ظلّ يعاني من التنزيل شدّة أمدا طويلا، وشاء الله أن يفتر الوحي بعد ابتدائه على النحو الذي أسلفنا، حتى يكون تشوّف الرسول صلى الله عليه وسلم، وارتقابه لمجيئه؛ سببا في ثباته واحتماله عند ما يعود، ومع ذلك فإنّ الطاقة البشرية ناءت أمام وطأته.
جاء جبريل عليه السّلام للمرة الثانية، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث عن فترة الوحي، فقال لي في حديثه:«فبينا أنا أمشي، سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسيّ بين السماء والأرض، ففزعت منه حتى هويت على الأرض، فجئت إلى أهلي، فقلت: زمّلوني، زمّلوني، فدثّروني ... » . فأنزل الله عز وجلّ:
كانت هذه الأوامر المتتابعة القاطعة إيذانا للرسول صلى الله عليه وسلم بأنّ الماضي قد انتهى بمنامه وهدوئه وسلامه، وأنّه أمام عمل جديد يستدعي اليقظة والتشمير، والإنذار والإعذار، فليحمل الرسالة، وليوجه الناس، وليأنس بالوحي، وليقو على عنائه، فإنه مصدر رسالته ومدد دعوته.
والوحي إلهام ينضح على القلب بمراد الله في صورة واضحة لا تحتمل الريبة، وله مراتب شتّى بعضها أيسر من بعض؛ فعن عمر رضي الله عنه: «كان