للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كانت رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أخطر ثورة عرفها العالم للتحرر العقلي والمادي، وكان جند القران أعدل رجال وعاهم التاريخ، وأحصى فعالهم في تدويخ المستبدّين، وكسر شوكتهم، طاغية إثر طاغية.

فلما أحبّ الناس- بعد انطلاقهم من قيود العسف- تصوير هذه الحقيقة، تخيلوا هذه الإرهاصات، وأحدثوا لها الروايات الواهية، ومحمد صلى الله عليه وسلم غني عن هذا كله؛ فإنّ نصيبه الضخم من الواقع المشرّف يزهدنا في هذه الروايات وأشباهها.

[كيفية استقبال جدّه لمولده] :

استقبل (عبد المطلب) ميلاد حفيده باستبشار وجذل، لعلّه رأى في مقدمه عوضا عن ابنه الذي هصرت المنون شبابه، فحوّل مشاعره عن الراحل الذاهب إلى الوافد الجديد، يكلؤه ويغالي به.

ومن الموافقات الجميلة أن يلهم (عبد المطلب) تسمية حفيده (محمدا) «١» ! إنها تسمية أعانه عليها ملك كريم! ولم يكن العرب يألفون هذه الأعلام، لذلك سألوه: لم رغب عن أسماء ابائه؟ فأجاب: أردت أن يحمده الله في السماء، وأن يحمده الخلق في الأرض، فكأنّ هذه الإرادة كانت استشفافا للغيب، فإن أحدا من خلق الله لا يستحق إزجاء عواطف الشكر والثناء على ما أدى وأسدى، كما يستحق ذلك النبي العربي المحمّد صلى الله عليه وسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مذمما ويلعنون مذمما، وأنا محمد!» «٢» .

لكن الحقيقة القاسية- برغم حفاوة الجد الحنون- باقية؛ فإن (محمدا) صلى الله عليه وسلم يتيم، برز إلى الدنيا بعد ما غادر أبوه الدنيا. ليكن!! ولنفرض عبد الله بقي حيّا!! فماذا عسى كان يفعل لابنه؟! أكان يربيه ليهب له النبوّة؟! ما كان له ذلك. إن الأب عنصر واحد من عناصر شتى تتحكّم في مستقبل الطفل، وتحفر له في الحياة مجراه، ولو كانت النبوّة بالاكتساب ما قربتها حياة الوالد شبرا؛ فكيف وهي اصطفاء؟!.


(١) سمّاه كذلك بعد ما ختنه في يومه السابع.
(٢) الحديث صحيح، أخرجه البخاري: ٦/ ٤٣٥- ٤٣٦.

<<  <   >  >>