امنت به زوجته (خديجة) ، ومولاه (زيد بن حارثة) ، وابن عمه (علي بن أبي طالب) - وكان صبيّا يحيا في كفالة الرّسول صلى الله عليه وسلم-، وصديقه الحميم أبو بكر، ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام، فأدخل فيه أهل ثقته ومودته: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وامن القسّ ورقة بن نوفل.
وقد روي «١» أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم راه في المنام- بعد مماته- في هيئة حسنة تشهد بكرامته عند الله، وأسلم الزبير بن العوام، وأبو ذر الغفاري، وعمرو بن عبسة، وخالد بن سعيد بن العاص، وفشا الإسلام في مكة بين من نوّر الله قلوبهم؛ مع أن الإعلام به كان يقع في استخفاء، ودون مظاهرة من التحمّس المكشوف، أو التحدي السافر ...
وترامت هذه الأنباء إلى قريش فلم تعرها اهتماما، ولعلّها حسبت محمدا عليه الصلاة والسلام أحد أولئك الديّانين الذين يتكلّمون في الألوهية وحقوقها، كما صنع أمية بن أبي الصلت، وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل وأشباههم، إلا أنّها توجّست خيفة من ذيوع خبره، وامتداد أثره، وأخذت ترقب على الأيام مصيره ودعوته.
واستمرّ هذا الطور السّرّي للدعوة ثلاث سنين، ثم نزل الوحي يكلف الرسول صلى الله عليه وسلم بمعالنة قومه، ومجابهة باطلهم، ومهاجمة أصنامهم جهارا.
(١) هذا حديث حسن، فتصديره بصيغة (روي) غير حسن؛ لأنه يشير إلى تضعيفه وليس بضعيف، فقد جاء من طريقين حسّنهما الحافظ ابن كثير في (البداية) : ٣/ ٩، أخرج أحدهما أحمد من حديث عائشة، والاخر أبو يعلى من حديث جابر، فلا أقل من كون الحديث حسنا بمجموع الطريقين، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا ورقة، فإني رأيت له جنة أو جنتين» . أخرجه البزار والحاكم: ٢/ ٦٠٩؛ وابن عساكر من حديث عائشة أيضا، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» ، ووافقه الذهبي: «وهو كما قالا» ، وقال ابن كثير: «وإسناده جيد» .