للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، يكونون على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم النقباء، تسعة من (الخزرج) ، وثلاثة من (الأوس) «١» ، فقال لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي» .

تلكم بيعة العقبة، وما أبرم فيها من مواثيق، وما دار فيها من محاورات ...

إنّ روح اليقين والفداء والاستبسال سادت هذا الجمع، وتمشّت في كلّ كلمة قيلت، وبدا أنّ العواطف الفائرة ليست واحدها التي توجّه الحديث، أو تملي العهود، كلا، فإنّ حساب المستقبل روجع مع حساب اليوم، والمغارم المتوقعة نظر إليها قبل المغانم الموهومة.

مغانم؟! أين موضوع المغانم في هذه البيعة؟! لقد قام الأمر كلّه على التجرّد المحض، والبذل الخالص.

هؤلاء السبعون مثل لانتشار الإسلام، عن طريق الفكر الحرّ والاقتناع الخالص ...

فقد جاؤوا من يثرب مؤمنين أشدّ الإيمان، وملبّين داعي التضحية، مع أنّ معرفتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم كانت لمحة عابرة؛ غبرت عليها الأيام، وكان الظن بها أن تزول.

لكننا لا يجوز أن ننسى مصدر هذه الطاقة المتأجّجة من الشجاعة والثقة؛ إنّه القران!! لئن كان الأنصار قبل بيعتهم الكبرى لم يصحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا لماما؛ فإن الوحي المشعّ من السماء أضاء لهم الطريق، وأوضح الغاية.

لقد نزل بمكة قريب من نصف القران، سال على ألسنة الحفّاظ، وتداولته صحائف السفرة، الكرام البررة، والقران النازل بمكة صوّر جزاء الاخرة رأي


(١) حديث صحيح، رواه ابن إسحاق في المغازي: ١/ ٢٧٣- ٢٧٦، عن ابن هشام؛ وأحمد: ٣/ ٤٦٠- ٤٦٢؛ وابن جرير في تاريخه: ٢/ ٩٠- ٩٣، من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين: أن أخاه عبد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار- حدّثه: إنّ أباه كعبا حدثه، وهذا سند صحيح، وصححه ابن حبان كما في (الفتح: ٧/ ٤٧٥) . قلت: وأما قوله في اخر القصة: «فقال لهم الرسول: أنتم ... » فأخرجه ابن إسحاق: ١/ ٢٧٧، عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا، فهو ضعيف؛ ورواه ابن جرير: ٢/ ٩٣، من طريق ابن إسحاق.

<<  <   >  >>