للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العين، فأنت توشك أن تمدّ يدك تقطف من أثمار الجنة، ويستطيع الأعرابيّ المتعشّق للحق أن ينتقل في لحظة فداء من رمضاء الجزيرة إلى أنهار النعيم والرحيق المختوم!.

وحكى القران أخبار الأوّلين، وكيف أخلص المؤمنون لله، فنجوا مع رسلهم، وكيف طغى الكفار، وأسكرهم الإمهال، فتعنّتوا وتجبّروا، ثم حلّ العدل الإلهي، فذهب الظالمون بددا، وتركوا وراءهم دنيا مدبرة، ودورا خربة:

فأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم ... كباطل من جلال الحقّ منهزم..!!

ثم إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم جعل من هذا الإيمان بالحقّ رباطا، يعقد من تلقاء نفسه صلة الحب والتناصر بين أشتاب المؤمنين في المشرق والمغرب.

فالمسلم في المدينة- وإن لم ير أخاه المستضعف في مكة- يحنو عليه، ويتعصّب له، ويغضب من ظالمه، ويقاتل دونه، وذلك ما استقدم الأنصار من يثرب؛ تجيش في حناياهم مشاعر الولاء لمن أحبوهم بالغيب في ذات الله.

عن أبي مالك الأشعري: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس! اسمعوا واعقلوا، واعلموا أنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيّون والشهداء على منازلهم، وقربهم من الله» . فجثا رجل من الأعراب من قاصية النّاس، وألوى بيده إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ناس من الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! انعتهم لنا، جلّهم لنا- يعني: صفهم لنا- فسرّ وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الأعرابي، وقال: «هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابّوا في الله، وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسون عليها، فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» «١» .


(١) حديث حسن، أخرجه الإمام أحمد: ٥/ ٣٤٣، من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري. وشهر فيه ضعف. وقال المنذري (٤/ ٤٨) : «رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد» قلت: ولم أجده في مستدرك الحاكم من حديث أبي مالك؛ وإنما أخرجه (٤/ ١٧٠) من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بنحوه، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهو كما قال، فهذا شاهد قويّ لحديث أبي مالك.

<<  <   >  >>