للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان بالله، والحبّ فيه، والأخوة على دينه، والتناصر باسمه، ذلك كلّه كان يتدافع في النفوس المجتمعة في ظلام الليل بجوار مكة السادرة في غيّها، يتدافع ليعلن أنّ أنصار الله سوف يحمون رسوله صلى الله عليه وسلم كما يحمون أعراضهم، وسوف يمنعونه بأرواحهم، فلا يخلص إليه أذى وهم أحياء.

إن مشركي مكة حسبوا أنهم حصروا الإسلام في نطاق لا يعدوه، وأرهقوا المسلمين حتى شغلوهم بأنفسهم، فناموا نومة المجرم الذي اغترف الإثم وأمن القصاص:

حسّنت ظنّك بالأيّام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر

أجل، ففي هذه الليلة تحالف جند الحق أن يقصموا ظهر الوثنية، وأن ينتهوا بالجاهلية ورجالها إلى الفناء.

واستمع شيطان من المشركين كان يجول في مضارب الخيام ومنازل الحجيج إلى الضجة المنبعثة قريبا من العقبة، واستطاع أن يقف على جلية الخبر، فصرخ ينذر أهل مكة: «إنّ محمدا والصّباة معه قد اجتمعوا على حربكم..» !!.

وكان صوته جهيرا يوقظ النيام.

وشعر المبايعون كأنّ ائتمارهم بالمشركين قد انكشف، فلم يكترثوا للنتائج.

وقال العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلنّ على أهل (منى) غدا بأسيافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» .

قال كعب: فلما أصبحنا غدت علينا جلّة قريش، حتى جاؤونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج! إنّه قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه- والله- ما من حيّ من العرب أبغض أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم، قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون: ما كان من هذا شيء وما علمناه، وصدقوا لم يعلموا، قال كعب:

وبعضنا ينظر إلى بعض «١» .


(١) هو من حديث كعب بن مالك الذي سبق وتقدّم تخريجه. هذا وهنا ملاحظة؛ وهي: أن-

<<  <   >  >>