ولا تحسبنّ مصعبا رضي الله عنه كأولئك المرتزقة من المبشرين، الذي دسّهم الاستعمار الغربي بين يدي زحفه على الشرق، فترى الواحد منهم يقبع تحت سرير مريض ليقول له: هذه القارورة تقدمها لك العذراء! وهذا الرغيف يهديه إليك المسيح!.
وربّما فتح مدرسة ظاهرها الثقافة المجرّدة، أو ملجأ ظاهره البرّ الخالص، ثم لوى زمام الناشئة من حيث لا يدرون، ومال بهم حيث يريد..!!.
هذا ضرب من التلصّص الروحي يتوارى تحت اسم الدعوة إلى الدين، والذين يمثّلون هذه المساخر يجدون الجرأة على عملهم من الدول التي تبعث بهم، فإذا رأيت إصرارهم ومغامراتهم فلا تنس القوى التي تساند ظهورهم في البر والبحر والجو.
أما مصعب رضي الله عنه فكان من ورائه نبيّ مضطهد، ورسالة معتبرة ضد القانون السائد، وما كان يملك من وسائل الإغراء ما يطمع طلاب الدنيا ونهّازي الفرص، كل ما لديه ثروة من الكياسة والفطنة، قبسها من محمد صلى الله عليه وسلم، وإخلاص لله، جعله يضحّي بمال أسرته وجاهها في سبيل عقيدته.. ثم هذا القران الذي يتأنّق في تلاوته، ويتخيّر من روائعه ما يغزو به الألباب، فإذا الأفئدة ترقّ له، وتنفتح للدين الجديد.
وعاد مصعب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبيل الموسم الحافل، يخبره بما لقي الإسلام من قبول حسن في يثرب، ويبشّره بأنّ جموعا غفيرة دخلت فيه عن اقتناع مسّ شغافهم، وبصر أنار أفكارهم، وسوف يرى من وفودهم بهذا الموسم ما تقر به العين.