للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: «أيّهم أكثر أخذا للقران؟» فإذا أشير إلى أحدهما قدّمه في اللحد، وقال:

«أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة!» وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلهم.. «١» .

ولما انصرف عنهم قال: «أنا شهيد على هؤلاء، إنّه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه، اللون لون دم، والرّيح ريح مسك» «٢» .

إنّ معركة أحد تركت اثارا غائرة في نفس النبيّ عليه الصلاة والسلام ظلت تلازمه إلى اخر عهده بالدنيا.

في هذا الجبل الداكن الجاثم حول يثرب أودع محمد صلى الله عليه وسلم أعزّ الناس عليه، وأقربهم إلى قلبه، فالصفوة النقية التي حملت أعباء الدعوة، وعادت في سبيل الله الأقربين والأبعدين، واغتربت بعقائدها قبل الهجرة وبعدها، وأنفقت وقاتلت، وصبرت وصابرت، هذه الصفوة اختطّ لها القدر مثواها الأخير في هذا الجبل الأشم، فتوسّدت ثراه راضية مرضية، وكان رسول الله يتذكّر سير أولئك الأبطال ومصائرهم فيقول:

«أحد جبل يحبّنا ونحبّه» «٣» .

فلمّا حانت وفاته، جعل اخر عهده بذكريات البطولة أن يزور قتلى أحد وأن يدعو الله لهم، وأن يعظ الناس بهم!!.

عن عقبة بن عامر، قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثماني


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٣/ ١٦٣- ١٦٥، ١٦٩، ٧/ ٣٠٠؛ والنسائي: ١/ ٢٧٧؛ والترمذي: ٢/ ١٤٧، وصححه، وابن ماجه: ١/ ٤٦١؛ وأحمد: ٥/ ٤٣١، من حديث جابر أيضا.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أحمد: ٥/ ٤٣١، ٤٣٢؛ وابن هشام: ٢/ ١٤٢، كلاهما من طريق ابن إسحاق. حدّثني الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري مرفوعا، وهذا سند صحيح، وابن صعير صحابيّ صغير، فهو مرسل صحابي، وهو حجة. وكذلك أخرجه البيهقي: ٤/ ١١، من طريق ابن عيينة عن الزهري به، وأخرجه أيضا من طريق أخرى عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه به. وإسناده صحيح أيضا.
(٣) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٣٠٢؛ ومسلم: ٤/ ١٢٤، وغيرهما من حديث أنس وغيره.

<<  <   >  >>