للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما حياته العامة- رسولا يبلّغ عن الله ويربّي المؤمنين، ويقاوم الكافرين، ويدأب على نشر دعوته، حتى تؤتي ثمارها في الافاق، فلا شكّ أن القران العزيز هو مهادها وبناؤها.

ومع أن القران كتاب معجز، إلا أنه يقوم على إيقاظ المواهب العليا في الإنسان، فهو أشبه بالأحداث الجليلة التي تعرض لك فتحملك على التفكير بأصالة وبصر، ومن ثمّ فهو كتاب إنساني يعين الوعي العام على النضج والسداد.

إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) [الزخرف] .

كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً [فصلت] .

والفارق بين توجيه العرب بالقران وتوجيه اليهود بنتق الجبل كالفارق بين صوت الإرشاد يهدي العاقل إلى الطريق، وسوط العذاب يلسع الدابة البليدة لتمضي إلى الأمام، فلا تسير خطوة إلا رمت بعجزها إلى الوراء خطوات.

وكان عبد الله بن رواحة ينشد:

وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ مكنون من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

ومن المحققين من يرى أنّ القران هو المعجزة الفريدة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم يلحظون في هذا الحكم التعريف اللفظي للمعجزة، من أنها خارق للعادة مقرون بالتحدي، ولم يعرف هذا التحدي إلا بالقران «١» .

وقد ملنا إلى قريب من هذا الرأي «٢» ، لا بالنظر إلى التعريف اللفظي للمعجزة، بل بالنظر إلى القيامة الذاتية للخوارق الاخرى بالنسبة إلى الأهداف الرفيعة التي جاء بها الإسلام.

على ألاصلة للعقيدة ولا للعمل بهذه البحوث، فالرجل الفاسد لا يغفر


(١) أما انشقاق القمر، والإسراء والمعراج، وتكثير الطعام، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم، وحنين الجذع إليه، وغير ذلك من الخوارق، فسمّاها من لم يعتبر التحدي قيدا (معجزات) ، وسماها من اعتبره قيدا (دلائل النبوة) وهو اختلاف في التسمية فقط، وقديما قالوا: لا مشاحّة في الاصطلاح. (ن) .
(٢) راجع كتابنا (عقيدة المسلم) ، مبحث النبوّات، ص ١٨١، دار القلم- دمشق.

<<  <   >  >>