للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له فساده إيمانه بأن الرسول عليه الصلاة والسلام أظلته غمامة، أو كلّمه جماد، والرجل الصالح لا يغمز مكانته إنكاره لهذه الخوارق؛ فإن هذه البحوث ترجع إلى التقدير العلمي لأدلة الإثبات «١» ، والتقويم المحض لما في الوقائع نفسها من معان، وليس للخطأ والصواب فيها مساس بإيمان.

وقد سرت في المسلمين لوثة شنعاء في نسبة الخوارق إلى الصالحين منهم، حتى كادت جمهرتهم تقرن بين علو المنزلة في الدين وخرق قوانين الأسباب والمسببات، وحتى جاء من المؤلفين في علم التوحيد من يقول:

وأثبتن للأوليا الكرامه ... ومن نفاها فانبذن كلامه!!

وصلة هذا الإثبات بعلم التوحيد كصلته بعلم النحو أو علم الفلك!! أي أنّ حقيقة الدين بعيدة عن هذه البحوث، سواء انتهت بالسلب أو بالإيجاب.

والخوارق التي يتهامس بها المفتونون لأوليائهم؛ هي تعبير سيّئ عن رذائل الكسل والحمق التي تكمن في طواياهم، كما أن الأحلام الطائشة التي تعتري النائم تعبير عن الاضطراب الذي يملأ نفسه، ويرهق أعصابه.

هذا فتح الباب الموصد من غير مفتاح، وهذا طار في الهواء بغير جناح، وهذا بال على حجر فانقلب ذهبا، وهذا اطّلع الغيب واتخذ عند الرحمن عهدا!.

وأمثال هذه السخافات كثير ... وهي تدلّ على جهل بحقيقة الدين وحقيقة الدنيا، وتدل على أن مروّجيها أضل عقولا وقلوبا من أن يعرفوا سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسيرة أصحابه.

ما كان محمد عليه الصلاة والسلام رجل خيال يتيه في مذاهبه، ثم يا بني حياته ودعوته على الخرافة. بل كان رجل حقائق؛ يبصر بعيدها كما يبصر قريبها، فإن أراد شيئا هيّأ له أسبابه وبذل في تهيئتها- على ضوء الواقع المر- أقصى ما في طاقته من حذر وجهد، وما فكّر قط ولا فكّر أحد من صحابته أن السماء تسعى له حيث يقعد، أو تنشط له حيث يكسل، أو تحتاط له حيث يفرّط، ولم تكن خوارق العادات ونواقض الأسباب والمسببات أساسا، ولا طلاء في بناء رجل عظيم أو أمة عظيمة.


(١) الخوارق نوعان: منها ما ثبت بالقران والسنّة المتواترة؛ فهذا إنكاره كفر، ومنها ما ثبت بدليل ظني، وهذا إن أنكره المنكر لعدم ثبوته عنده فلا يكفر. (ن) .

<<  <   >  >>