فليس للإنسان إلا ما سعى، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤] .
ثم هو ينكر مبدأ الشركة في الألوهية، فليس للعالم إلا رب واحد، يخضع له عيسى وأمه.
لذلك رأى الروم أن يعيدوا الكرّة، فيضربوا الإسلام في شمال الجزيرة ضربة تردّه من حيث جاء، وتوصد عليه أبواب الحدود، فلا يستطيع التسرّب منها ... وتضمن الكنيسة بعدئذ انفرادها بالضمير البشري، حتى إذا قرعت أجراسها لم يشب رنينها صدى لمؤذن يهتف بتكبير الله وتوحيده، ويدعو للصلاة والفلاح.
وترامت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أنباء هذا الإعداد الماكر، وتاريخ النصرانية- منذ تولّت الحكم- يؤكّد نية العدوان لدى رجال الكهنوت.
فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم بدّا من استنفار المسلمين لملاقاة هذا العدوان المبيت.
والتهيؤ لملاقاة الروم جاء في أيام قيظ وقحط.
والسير إليهم يتطلّب جهدا مضنيا ونفقة كبيرة.
وقتال الروم ليس صداما مع قبيلة محدودة العدد والعدّة، بل هو كفاح مرير مع دولة تبسط سلطانها على جملة قارّات، وتملك موارد ثرّة من الرجال والأموال.
على أنّ أصحاب العقيدة لا ينكصون أمام الصعاب، والسكوت على تحدي النصارى لهذا الدين ورغبتهم الملحة في القضاء عليه يعتبر انتحارا وبوارا، فليتحامل المسلمون على أنفسهم إذا وليواجهوا مستقبلهم بما يفرض من تضحيات وتفديات.
وللظروف العصيبة التي اكتنفت إعداد هذا الجيش سمّي جيش العسرة.
والايات التي أنزلها الله في كتابه- متعلقة بغزوة العسرة- هي أطول ما نزل في قتال بين المسلمين وخصومهم.
وقد بدأت باستنهاض الهمم لردّ هجوم المسيحية على الإسلام، وإفهام المسلمين مغبة تقصيرهم في أداء هذه الفريضة، وإشعارهم بأن الله لا يقبل ذرة من تفريط في حماية دينه ونصرة نبيّه، وإنّ التراجع أمام الصعوبات الحائلة- دون قتال الروم- يعتبر مزلقة إلى الردة والنفاق:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى