للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنّ تنويهنا بقيمة التسامي النفساني في تأسيس الإخاء، لا يمنع الحاكم من فرضه على الناس نظاما يؤخذون بحقوقه أخذا، فإذا لم يؤدّوها طوعا أدّوها كرها، وذلك كما يجبرون على العلم، والجندية، وأداء الضرائب وغير ذلك.

وقد ظلّت عقود الإخاء مقدّمة على حقوق القرابة في توارث التركات إلى موقعة (بدر) ، حتى نزل قوله تعالى:

وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: ٧٥] .

فألغي التوارث بعقد الأخوة، ورجع إلى ذوي الرحم.

وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:

وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ... [النساء: ٣٣] .

قال: كان المهاجرون- لما قدموا المدينة- يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه؛ للأخوة التي اخى النبي عليه الصلاة والسلام بينهم، فلمّا نزلت:

وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ... ، نسخت ذلك، ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصي له.

وروي في تفصيل هذا الإخاء: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تاخى مع علي، وتاخى حمزة مع زيد، وأبو بكر مع خارجة، وعمر مع عتبان بن مالك ... إلخ.

ومن العلماء من يشكّ في أخوّة الرسول عليه الصلاة والسلام مع علي.

ولكن ما صحّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عليّا منه بمنزلة هارون من موسى يؤيّد هذه الرواية «١» ، وليس يخدش هذا من منزلة أبي بكر، ولا استحقاقه الصدارة.


(١) قلت: كلا، لا تأييد، فإن الأخوة المذكورة أخص من تلك المنزلة، ولا يثبت الأخصّ بالأعم؛ فلا بدّ من إثبات الأخوة بنص خاص. وقد تتبعت الأحاديث الواردة فيها فوجدتها لا تخلو من كذّاب، ومن أشهرها ما أخرجه الترمذي: ٤/ ٣٢٨؛ والحاكم: ٣/ ١٤، من طريق حكيم بن جبير، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر، قال: اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فجاء عليّ تدمع عيناه! فقال: يا رسول الله! اخيت بين-

<<  <   >  >>