حتى وصل إلى قوله تعالى: ... فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣)«١» .
تخيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الايات من الوحي المبارك، ليعرّف محدّثه حقيقة الرسالة والرسول؛ إنّ محمدا عليه الصلاة والسلام يحمل كتابا من الخالق إلى خلقه يهداهم من ضلال، وينقذهم من خبال، وهو- قبل غيره- مكلّف بتصديقه، والعمل به، والنزول عند أحكامه، فإذا كان الله يطلب من عباده أن يستقيموا إليه ويستغفروه، فمحمد عليه الصلاة والسلام ألهج الناس بالاستغفار، وألزمهم للاستقامة، وما يطلب ملكا، ولا مالا، ولا جاها، لقد أمكنه الله من هذا كله فعفّ عنه، وترفّع أن يمدّ يده إليه، وبسط العطاء مما سيق إليه من خيرات، فأنفق واديا من المال في ساعة من نهار، وترك الحياة غير معقّب لذريته درهما.
إن عتبة- باسم قريش- يريد أن يترك محمد عليه الصلاة والسلام الدعوة إلى الله، وإقامة العدالة بين الناس! ماذا تصير إليه الحياة لو أن صخرة من الأرض انخلعت عنها وصعدت إلى دارات الفلك تطلب من الشمس أو أي
(١) هذه القصة أخرجها ابن إسحاق في المغازي: ١/ ١٨٥، من سيرة ابن هشام، بسند حسن عن محمد بن كعب القرظي مرسلا، ووصله عبد بن حميد، وأبو يعلي، والبغوي من طريق أخرى من حديث جابر رضي الله عنه، كما في تفسير ابن كثير: ٤/ ٩٠- ٩١، وسنده حسن إن شاء الله.