جهد جهيد، وقد يختلط التراب بالتبر فما يستطيع بشر فصله عنه.
في غار حراء كان محمد عليه الصلاة والسلام يتعبّد، ويصقل قلبه، وينقي روحه، ويقترب من الحق جهده، ويبتعد عن الباطل وسعه، حتى وصل من الصفاء إلى مرتبة عالية؛ انعكست فيها أشعة الغيوب على صفحته المجلوّة، فأمسى لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.
في هذا الغار اتصل محمد صلى الله عليه وسلم بالملأ الأعلى.
ومن قبله شهد بطن الصحراء أخا لمحمد عليه الصلاة والسلام، يخرج من مصر فارّا مستوحشا، ويجتاز القفار متلمّسا الأمن والسكينة والهدى، لنفسه وقومه، فبرقت له من شاطئ الوادي الأيمن نار مؤنسة، فلمّا تيمّمها، إذا بالنّداء الأقدس يغمر مسامعه ويتخلل مشاعره:
إن شعلة من هذه النار اجتازت القرون؛ لتتّقد مرة أخرى في جوانب الغار الذي حوى رجلا يتحنّث ويتطهّر، نائيا بجسمه وروحه عن أرجاس الجاهلية ومساوئها، لكنّ الشعلة لم تكن نارا تستدرج الناظر، بل كانت نورا ينبسط بين يدي وحي مبارك، يسطع على القلب العاني بالإلهام والهداية، والتثبيت والعناية، وإذا بمحمد صلى الله عليه وسلم يصغي في دهشة وانبهار إلى صوت الملك، يقول له:
«اقرأ ... » فيجيب مستفسرا: «ما أنا بقارئ» ، ويتكرر الطلب والرد لتنساب بعده الايات الأولى من القران العزيز: