للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لموت أبي طالب حزنا شديدا، ألم يكن الحصن الذي تحتمي به الدعوة من هجمات الكبراء والسفهاء؟! وها قد ولّى الرجل الذي سخّر جاهه وسلطانه في الذود عن ابن أخيه وكفّ العوادي أن تناله.

إن قريشا أصبحت لا تهاب في محمّد عليه الصلاة والسلام أحدا بعده.

روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب» «١» ، وذلك أنّهم تجرؤوا عليه، حتى نثر بعضهم التراب على رأسه.

وعن ابن مسعود قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي عند البيت، وأبو جهل وأصحابه جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس؛ فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبيّ صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهره، والنبيّ صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت- وهي جويرية- فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم.

فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته؛ رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاث مرات، وإذا سأل سأل ثلاثا، ثم قال: «اللهم عليك بقريش» ثلاثا.

فلمّا سمعوا، ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته.

ثم قال: «اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» وذكر السابع ولم أحفظه.

فو الذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سمّى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر «٢» .

لقد مضت مكة في طريق الكفر حتى أوغلت فيه، وبلغت نهايته، فهي الان تستمرئ تلويث الساجدين بالأقذار، وتتمايل- ضحكا- من منظر الأنجاس وهي


(١) حديث ضعيف، أخرجه ابن إسحاق: ١/ ٢٥٨، بسند صحيح عن عروة بن الزبير مرسلا.
(٢) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ١/ ٢٧٨- ٢٨٠، ٤٧١؛ ومسلم: ٥/ ١٨٠؛ والنسائي: ١/ ٥١؛ وأحمد، رقم (٣٧٢٢، ٢٧٢٣، ٣٧٧٥، ٣٩٦٢) والقائل: (وذكر السابع ولم أحفظه) هو أبو إسحاق، وهو السبيعي كما صرّح بذلك مسلم في روايته، وقد سمّي السابع (عمارة بن الوليد) في رواية البخاري وأحمد، راجع فتح الباري.

<<  <   >  >>