للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا قدم النبيّ عليه الصلاة والسلام المدينة؛ وعك أبو بكر وبلال، فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:

كلّ امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلعت عنه، يرفع عقيرته ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد، وحولي إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنّة؟ ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ «١»

قالت: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «اللهم حبّب إلينا المدينة، كحبّنا مكة أو أشد، اللهم وصحّحها، وبارك لنا في مدّها وصاعها، وانقل حمّاها، واجعلها بالجحفة» «٢» .

وعن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكّة من البركة» «٣» .

وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بأوّل الثّمر قال: «اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدّنا، وفي صاعنا، بركة مع بركة، اللهم إنّ إبراهيم عبدك ونبيّك وخليلك، وإنّي عبدك ونبيّك، وإنّه دعاك لمكّة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكّة، ومثله معه» ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان ... «٤» .

بهذا التشويق والإقبال ارتفع الروح المعنوي بين المسلمين، واتّجهت القوى الفتية إلى البناء، متناسية الماضي وما يضمّ من ذكريات، إنّ الهجرة الخالصة لا تعود في هبة، ولا ترجع عن تضحية، ولا تبكي على فائت، بل هي كما قال الشاعر:

إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم تكد ... إليه بوجه اخر الدهر تقبل


(١) جبال في مكة.
(٢) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٢٠٩- ٢١٠؛ وأحمد: ٦/ ٦٥/ ٢٢١- ٢٢٢، ٢٣٩، ٢٤٠، ٢٦٠؛ ورواه مسلم: ٤/ ١١٩، مختصرا بدون الأبيات، وهو رواية لأحمد: ٦/ ٥٦. قلت: والجحفة بلدة كانت بين مكة والمدينة وهي اليوم خرائب مهجورة. (ن) .
(٣) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٤/ ٧٨؛ ومسلم: ٤/ ١١٥؛ وأحمد: ٣/ ١٤٢.
(٤) حديث صحيح، أخرجه مسلم: ٤/ ١١٧.

<<  <   >  >>