للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحد أحد، وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكسروا هجمات المشركين؛ وهم مرابطون في مواقعهم وقال: «إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنّبل، ولا تحملوا عليهم حتى تؤذنوا» «١» .

فلما اتسع نطاق المعركة، واقتربت من قمتها، كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم، وألحقوا بهم خسائر جسيمة. والنبي صلى الله عليه وسلم في عريشه يدعو الله، ويرقب بطولة رجاله وجلدهم.

قال ابن إسحاق «٢» : خفق النبي عليه الصلاة والسلام خفقة في العريش ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله؛ فهذا جبريل اخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النّقع!!» .

لقد انعقد الغبار فوق رؤوس المقاتلين، وهم بين كرّ وفرّ، جند الحق يستبسلون لنصرة الرحمن، وجند الباطل قد ملكهم الغرور، فأغراهم أن يغالبوا القدر.

فلا عجب إذا نزلت ملائكة الخير، تنفث في قلوب المسلمين روح اليقين، وتحضّهم على الثبات والإقدام.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانه إلى الناس، فحرّضهم قائلا: «والذي نفس محمّد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنّة» .

إنّ التأميل في الاخرة هو بضاعة الأنبياء، وهل لأصحاب العقائد وفداة الحق من راحة إلا هناك؟.

وعمل هذا التحريض عمله في القلوب المؤمنة.

روى أحمد «٣» : أنّ المشركين لما دنوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:


(١) رواه ابن إسحاق: ٢/ ٦٨، بدون سند؛ وفي البخاري: ٧/ ٢٤٥، عن أبي أسيد: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «إذ أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم» . قلت: «أكثبوكم» : دنوا منكم. (ن) .
(٢) في (المغازي) ، وعند ابن هشام: ٢/ ٦٨- ٦٩، بدون سند؛ لكن وصله الأموي من طريق ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير؛ وهذا سند حسن، وسكت عنه ابن كثير: ٣/ ٢٨٤.
(٣) في المسند: ٣/ ١٣٦- ١٣٧، بدون الأبيات. وكذلك أخرجه مسلم: ٦/ ٤٤- ٤٥؛-

<<  <   >  >>