فلما غزا بدرا، وقتل الله من قتل من صناديد قريش، وقفل رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه منصورين غانمين معهم أساراهم، قال عبد الله بن أبيّ ومن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمر قد توجّه (أي: استمر، فلا مطمع في إزالته) فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأسلموا..
على أنّ هذا الخداع لاذ به فريق من الكفار في الوقت الذي عالن فيه فريق اخر من اليهود بسخطهم على محمد صلى الله عليه وسلم، وألمهم للهزيمة التي أصابت قريشا في (بدر) ؛ بل إن كعب بن الأشرف- من رجالات اليهود- أرسل القصائد في رثاء قتلاهم والمطالبة بثأرهم!.
ولقد اتسعت شقة العداوة بين المسلمين واليهود إثر هذا الموقف النابي.
ثم حاول اليهود أن يحقّروا من شأن النصر الذي حظي به الإسلام، مما مهّد للأحداث العنيفة التي وقعت بعد، ودفع اليهود ثمنها من دمهم أفرادا وجماعات.
أما البدو الضاربون حول المدينة، وعلى طرق القوافل فهم قوم همل، لا يهمّهم شيء من قضايا الكفر والإيمان، إنّما يهمّهم اكتساب القوت من أي وجه، والحصول عليه ولو عن طريق السلب والنهب، وتاريخهم الحديث مع قوافل الحجاج شاهد صدق على أنهم لا يرعون حرمة، ولا يخشون إلا القوة، ولولا بطش السعوديين بهم ما أمن طريق الحجّ قط! وقد سبق لهم استياق نعم المدينة، وما ورثوه من جاهلية طامسة، جعل قلوبهم مع مشركي الجزيرة، وقد ذعروا لانتصار المسلمين في بدر، وأخذت جموعهم تحتشد تبغي انتهاز فرصة للإغارة على المدينة، ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم نهض إلى جموعهم، فشتتها، ولم يلق في إرهابهم متاعب ذات بال.