قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت ولم يرجع إليّ شيئا! فكنت عليه أوجد منّي على عثمان.
فلبثت ليالي، فخطبها منّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلّك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة، فلم أرجع إليك شيئا؟ فقلت:
نعم، فقال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أني كنت علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها «١» .
واتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصاهرة عمر بعد مصاهرة أبي بكر، ثم تزويجه ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب، وتزويجه ابنته أم كلثوم لعثمان- بعد وفاة رقيّة- يشير إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام يبغي من وراء ذلك توثيق الصلات بالرجال الأربعة الذين عرف بلاؤهم وفداؤهم للإسلام، في الأزمات التي مرت به، وشاء الله أن يجتازها بسلام.
وفي السنة الثانية للهجرة فرض صيام رمضان، وزكاة الفطر، وبيّنات أنصبة الزكاة الاخرى، ومن أجلّ ما وقع في هذه السنة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المطهرة، وقد كان هذا الانتقال مثار تغيّظ اليهود واستنكارهم الشديد.
كانوا- قبله- يؤمّلون في متابعة الرّسول عليه الصلاة والسلام لهم! ولعلّ أساس موادعتهم له ظنهم الإفادة منه، واستغلال أنصاره! فلمّا تميّز الإسلام بقبلته الجديدة امتلأت نفوسهم باليأس، ودفعتهم خيبة الرجاء إلى تشديد الحملة على الإسلام وتبييت السوء له.
وقد أحبط القران حرب الجدل التي شنها اليهود إثر تغيير القبلة:
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) [البقرة] .
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ... [البقرة: ١١٥] .
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... [البقرة: ١٧٧] .
إنّ الله ربّ الأزمنة والأمكنة جميعا، وتوجيه أمة إلى قبلة معينة لا يعني
(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٩/ ١٤٤- ١٤٥، ١٥٢؛ والنسائي: ٢/ ٧٥- ٧٦- ٧٧؛ وأحمد رقم (٧٤) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.