إنّ الإنسان- في عافيته- قد يتصوّر الأمور سهلة مبسّطة، وقد يتأدّى به ذلك إلى المجازفة والخداع.
فليحذر المؤمن هذا الموقف، وليستمع إلى تأنيب الله لمن تمنّوا الموت ثم حادوا عنه لما جاء:
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) [ال عمران] .
ثم عاتب الله عز وجلّ من أسقط في أيديهم، وانكسرت همتهم، لمّا أشيع أن الرسول عليه الصلاة والسلام مات، ما كذلك يسلك أصحاب العقائد! إنهم أتباع مبادئ لا أتباع أشخاص.
ولو افترض أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قتل وهو ينافح عن دين الله، فحقّ على أصحابه أن يثبتوا في مستنقع الموت، وأن يردوا المصير نفسه الذي ورده قائدهم، لا أن ينهاروا ويتخاذلوا.
إنّ عمل محمّد عليه الصلاة والسلام ينحصر في إضاءة الجوانب المعتمة من فكر الإنسان وضميره، فإذا أدى رسالته ومضى، فهل يسوغ للمستنير أن يعود إلى ظلماته فلا يخرج منها!.
لقد جمع محمد صلى الله عليه وسلم الناس حوله على أنّه عبد الله ورسوله، والذين ارتبطوا به عرفوه إماما لهم في الحق، وصلة لهم بالله.
فإذا مات عبد الله، ظلّت الصلة الكبرى بالحيّ الذي لا يموت باقية نامية:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) [ال عمران] .
وقد استطرد النّظم الكريم يبصّر المؤمنين بمواطن العبرة فيما نالهم، ويعلّمهم كيف يتقون في المستقبل هذه المازق، وينتهز هذه الكبوة العارضة ليعزل عن جماعة المسلمين من خالطوهم على دخل، وعاشروهم على نفاق.
ولئن أفادت وقعة (بدر) في خذل الكافرين، إن وقعة (أحد) أفادت مثلها في فضح المنافقين، ورب ضارة نافعة، وربما صحّت الأجسام بالعلل.
ولعلّ ما ترتّب على عصيان الأوامر في هذه الموقعة درس عميق يتعلّم منه