للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا لعلّنا نصيب منهم غرّة.

قالوا: نفسد سبتنا علينا، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا.

قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما.

وحاول بنو قريظة أن يظفروا بصلح كالذي ناله إخوانهم بنو النضير من قبل، بيد أنّ المسلمين أبوا عليهم إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط، فإنّ ما أسلف هؤلاء من جرم بيّن وغدر شائن أحفظ عليهم الصدور، فلم يبق فيها مكان لسماح، وتمحض الموقف للعدل المجرد، يقرّ الأمور في نصابها كيف يشاء.

واستقدم اليهود- وهم محصورون- أبا لبابة بن عبد المنذر يستشيرونه:

أينزلون على حكم محمد؟ فقال لهم: نعم، وأشار إلى حلقه، كأن ينبههم إلى أنه الذبح؟ ثم أدرك- لفوره- أنّه خان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمضى هائما على وجهه، حتى أتى مسجد المدينة، فربط نفسه في سارية فيه، وحلف ألا يفك منها حتى يتوب الله عليه.

وقد قبل الله منه ندمه، ونزلت فيه بعد أيام الاية: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) [التوبة] .

واستمرّ الحصار خمسا وعشرين ليلة، سمح المسلمون في أثنائها لليهود الذين رفضوا الغدر بالرسول عليه الصلاة والسلام أيام الأحزاب أن يخرجوا، فجزوهم عن وفائهم خيرا، وخلّوا سبيلهم ينطلقون حيث يبغون.

ثم قرّروا أن يهجموا على الحصون المغلقة ويقتحموها عنوة.

فصاح عليّ: يا كتيبة الإيمان- ومعه الزبير بن العوام- والله لأذوقنّ ما ذاق حمزة أو لأفتحنّ حصنهم، فقال بنو قريظة: يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ.

فاستنزلوا من حصنهم، وسيقوا إلى محبسهم، حتى جيء بسعد بن معاذ ليقضي في حلفائه بما يرى.

وكان (سعد) سيد الأوس، وهم حلفاء بني قريظة في الجاهلية، وقد توقّع يهود أنّ هذه الصلة تنفعهم، وتوقّع الأوس أيضا من رجلهم أن يتساهل مع أصدقائهم الأقدمين، فلما استقدمه الرّسول عليه الصلاة والسلام ليصدر حكمه، جاء من الخيمة التي يمرّض فيها إثر إصابته بسهام الأحزاب، واكتنفه قومه يقولون له: يا أبا عمرو! أحسن في مواليك ...

<<  <   >  >>