حلّت ببني قريظة، ولو أنّ حييّ بن أخطب وأضرابه سكنوا في جوار الإسلام، وعاشوا على ما أوتوا من مغانم، ما تعرّضوا ولا تعرّض قومهم لهذا القصاص الخطير.
لكنّ الشعوب تدفع من دمها ثمنا فادحا لأخطاء قادتها.
وفي عصرنا هذا دفع الروس والألمان وغيرهم من الشعوب أثمانا باهظة لأثرة الساسة المخدوعين.
ولذلك ينعى القران على أولئك الرؤساء مطامعهم ومظالمهم التي يحملها غيرهم قبلهم:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) [إبراهيم] .
لقد جيء بحييّ ليلقى جزاءه، وحييّ- كما علمت- جرثومة هذه الفتن.
فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكن من يخذل الله يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس! لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر، وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه!.
وفي ذلك يقول الشاعر:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنّه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتّى أبلغ النّفس عذرها ... وقلقل يبغي العزّ كلّ مقلقل
والحقّ أنّ من مشركي قريش ومن رجال يهود أناسا واجهوا الموت بثبات.
ولن تعدم المبادئ الباطلة والنحل الهازلة أتباعا يفتدونها بالأرواح والأموال، غير أن شيئا من هذا لا يجعل الباطل حقا ولا الجور عدلا.
إن موقف اليهود من الإسلام بالأمس هو موقفهم من المسلمين اليوم.
فألوف من إخواننا ذبحهم اليهود في صمت وهم يحتلون فلسطين.
والغريب أن اليهود تركوا من نصب لهم المجازر في أقطار أوربة، وجبنوا عن مواجهتهم بشرّ!! واستضعفوا المسلمين الذين لم يسيئوا إليهم من اثني عشر قرنا، فنكلوا بهم على النحو المخزي الفاضح، الذي لا يزال قائما في فلسطين ... تشهده وتؤيده وتسانده دول الغرب.