للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عروة بن مسعود) ، وكره عروة أن يعود من مفاوضة المسلمين فيسمعه رجال قريش ما يسوءه فقال: يا معشر قريش! إنّي قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنّكم والد وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثم جئتكم حتى اسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتّهم.

فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس بين يديه، ثم قال: يا محمد! أجمعت أوشاب الناس، ثم جئت إلى بيضتك لتفضّها- إلى قومك لتجتاحهم-؟ إنّها قريش خرجت معها العوذ المطافيل- يقصد النساء والأطفال- قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وايم الله، لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا!!.

وكان أبو بكر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فلمّا وصل في حديثه إلى التعريض بالمسلمين قال له هازئا: امصص بظر اللات! أنحن ننكشف عنه؟!.

فقال عروة: من هذا يا محمد؟ قال: «هذا ابن أبي قحافة» ! فردّ عروة على أبي بكر يقول: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بهذه.

وعاود عروة حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يتناول لحيته وهو يكلّمه- كأنّه ينبهه إلى خطورة ما سيقع بقومه- إلا أنّ المغيرة بن شعبة كان يقرع يده كلّما فعل ذلك، وهو يقول: اكفف يدك عن وجه رسول الله قبل ألاتصل إليك، فقال عروة له: ويحك ما أفظّك وأغلظك!! ثم سأل النبيّ: من هذا يا محمد؟.

فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة!!» فقال عروة للمغيرة: أي غدر، هل غسلت سوءتك إلا بالأمس «١» ؟!.

وقد ردّ النبيّ عليه الصلاة والسلام على عروة بما يقطع اللجاجة وينفي الشبهة: (إنّه لا يبغي حربا، وإنما يريد أن يزور البيت كما يزوره غيره، فلا يلقى صادّا ولا رادّا) .

ورجع عروة ينوّه بإجلال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: إني والله ما رأيت ملكا في قومه قطّ مثل محمد في أصحابه، لقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم «٢» .


(١) كان المغيرة قبل إسلامه داهية فاتكا، قتل نفرا، فوداهم عروة إطفاء للفتنة.
(٢) هذا كله من تمام قصة الحديبية عند ابن إسحاق. وهو عند البخاري بنحوه.

<<  <   >  >>