للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبده ورسوله. أدعوك بدعاية الله، فإنّي أنا رسول الله إلى النّاس كافّة لينذر من كان حيا ويحقّ القول على الكافرين. أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس» «١» .

ومزق كسرى الكتاب وهو محنق.

ولعلّه حسب الجرأة على مكانته السامية بعض ما رماه به القدر من مصائب، فقد هزمه الروم هزيمة منكرة، وها قد جاء العرب يعلّمونه ما لم يكن يعلم.

وأصدر كسرى أمره إلى والي اليمن- وكانت لمّا تزل في حكمه- يأمره أن يرسل اثنين من رجاله الأشداء ليأتيا إليه بالرّجل الذي تجرأ على مكاتبته.

و (أبرويز) هذا رجل أحمق، ومنصبه يضفي عليه لقب ملك الملوك، والوثنية السياسية إذا ظاهرتها وثنية دينية أمست ظلمات بعضها فوق بعض، وقد غلب على الرجل السفه في تصريفه شؤون الدولة وحكمه على الأشخاص والأشياء، حتى ضاق قومه أنفسهم به، بل ضاق به أقرب الناس إليه وهو ابنه (شيرويه) فوثب عليه فقتله.

ويروى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما صنع كسرى أبرويز بكتابه قال: «مزّق الله ملكه» «٢» .

والطريف أن والي اليمن لما صدر إليه أمر كسرى سارع إلى تنفيذه، فأرسل اثنين من لدنه إلى المدينة، يعرضان على النبي عليه الصلاة والسلام أن ينطلق معهما ليسأل عما فعل..!!.

ونظر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين، فوجدهما من ذلك النوع الذي تربيه الملوك في القصور، كما تربي النسوة في بلادنا الديكة الرومية.. مناظر فارهة، وبواطن تافهة.

فلمّا رأى شواربهما مفتولة، وخدودهما محلوقة، أشاح عنهما وقال «٣» :


(١) حديث حسن، رواه ابن جرير في تاريخه: ٢/ ٢٩٥- ٢٩٦، عن يزيد بن أبي حبيب مرسلا، وأبو عبيد في (الأموال) ، ص ٢٣، عن سعيد بن المسيب مرسلا نحوه.
(٢) حديث صحيح، رواه البخاري في صحيحه: ٨/ ١٠٤؛ وأبو عبيد عن سعيد بن المسيب مرسلا ومرفوعا؛ وروي من وجوه أخر مرسلا، فليرجع إليها من شاء في (البداية والنهاية) : ٤/ ٢٦٨.
(٣) حديث حسن، أخرجه ابن جرير: ٢/ ٢٦٦- ٢٦٧، عن يزيد بن أبي حيبيب مرسلا، -

<<  <   >  >>