إن الخرافة التي أفسدت عقل بدويّ تترّب إهابه وثيابه رياح (نجد) هي بعينها الخرافة التي تفسد فكر كسرى عاهل الفرس العظيم.
ما الفارق بين الحمّى تصيب ملكا أو تصيب صعلوكا؟ إنّ الطبيب يصف لها على الحالين- دواء واحدا، ويتخذ ضد عدواها حصانات واحدة!.
وقد أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يشفي الكبار والصغار من أمراض نفوسهم، وأن يناولهم جميعا الدواء الذي يصحّون به:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (٨٢) [الإسراء] .
فلا غرو إذا جمع في مصحّه بين الأحمر والأسود، والسادة والعبيد.
أجل، قد يكون أولئك الملوك محجّبين وراء أسوار مشيدة، وحولهم من الأتباع والجند والأبهة والرياش ما يبهر العين، لكن أي عين تنبهر لهذه المظاهر؟
إنّ الطبيب المعالج لا يعنيه من مريضه إلا جسده الشاحب العليل، والأنبياء لا يرون في القوم إلا أنهم جهّال يجب أن يتعلّموا، سفهاء يجب أن يسترشدوا، وأنّ ما حولهم من الدنيا يجعل تبعتهم أخطر، وجزاءهم على الهدى والضلال أضخم.
على أنّ هذه القوى المسخّرة في حماية الباطل لن يطول أمدها إلا كما يطول الليل على المؤرق، ثم تطلع الشمس، ويمحو الله بالاية المبصرة سدول الظلام.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لرسل والي اليمن حين جاؤوه: «أخبراه أنّ ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى، وينتهي إلى الخفّ والحافر، وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك» «١» .
إنّه- وهو في المدينة- يولّي ويعزل، عن حق لا عن غرور، أليس موصولا بمالك الملك، مبعوثا من رب السموات والأرض؟!.
ومن الطبيعي أن يعرف مشركو العرب أنباء هذه البعوث النبوية، وأن يرقبوا نتائجها عن كثب، وقد استبشروا أول الأمر حين بلغهم صنيع كسرى بن هرمز، وقال بعضهم لبعض: كفيتم الرجل، فقد نصب له كسرى ملك الملوك! وشاعت هذه القالة في مكة والطائف.
(١) ضعيف، أخرجه ابن جرير في تاريخه: ٢/ ٢٩٧، عن يزيد بن أبي حبيب مرسلا.