للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الفضل فيه» «١» .

وقد تعرّضت الكعبة- باعتبارها أثرا قديما- للعوادي التي أوهت بنيانها، وصدّعت جدرانها، وقبل البعثة بسنوات قلائل جرف مكة سيل عرم، انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فلم تر قريش بدّا من أن تجدّد بناء الكعبة؛ حرصا على مكانتها.

وقد اشترك سادة قريش ورجالاتها الكبار في أعمال التجديد ونقل الأحجار، بعد ما هدموا الأنقاض الواهية، وشرعوا يعيدونها كما كانت.

وبناء رفع إبراهيم وإسماعيل من قواعده قبل قرون سحيقة لا يوكل أمره لصغار الفعلة، فلا غرو إذا أقبل عليه الشيوخ وأهل النّهى والصدارة، ومن بينهم محمد صلى الله عليه وسلم وأعمامه.

عن عمرو بن دينار، سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: لما بنيت الكعبة، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس ينقلان الحجارة، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم:

اجعل إزارك على رقبتك يقيك الحجارة، ففعل- كان ذلك قبل أن يبعث- فخرّ إلى الأرض، فطمحت عيناه إلى السماء، فقال: «إزاري إزاري» ، فشد عليه فما رؤي بعد عريانا ... «٢» .

وتنافست القبائل في هذا المضمار، كلّ يبغي الصّدارة فيه والذهاب بفخره، حتى كاد هذا السباق يتحوّل إلى حرب ضروس في أرض الحرم، واستفحل الشر بين المشتغلين بالبناء عند ما بدؤوا يستعدّون لوضح الحجر الأسود في مكانه من أركان الكعبة؛ لولا أنّ أبا أمية بن المغيرة المخزومي اقترح على المتطاحنين أن يحكّموا فيما شجر بينهم أول داخل من باب الصفا، وشاء الله أن يكون ذلك محمدا صلى الله عليه وسلم ... فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، ارتضيناه حكما.

وطلب محمد صلى الله عليه وسلم ثوبا، فوضع الحجر وسطه، ثم نادى رؤساء القبائل المتنازعين، فأمسكوا جميعا بأطراف الثوب، حتى أوصلوا الحجر إلى الكعبة، فحمله محمد صلوات الله وسلامه عليه، ثم وضعه في مكانه العتيد «٣» .


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٦/ ٣١٥- ٣١٧، ٣٥٩؛ ومسلم: ٢/ ٦٣؛ والنسائي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد من حديث أبي ذر.
(٢) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ١/ ٣٧٧؛ ومسلم: ١/ ١٨٤، وغيرهما.
(٣) حديث حسن، أخرجه الإمام أحمد: ٣/ ٤٢٥، من حديث السائب بن عبد الله بسند-

<<  <   >  >>